بقلم : عبد الحميد الجماهري
نعيش في الفترة الحالية، كما لو أننا أمام فيلم هتشكوكي، بما يعنيه ذلك من انتظار المفاجآت التي تحيل على أخرى أكثر غموضا منها، حيث يظل الترقب المشوب بالحيرة هو السيد!
هتشكوكية المرحلة، المستمدة من هتشكوك السينما ، تشترك معها »في حجب المعلومات المهمة (من شخصياته ومنا) وإثارة مشاعر المشاهدين ليس مثل أي شخص آخر«..
اسجنوه أو رخصوا له !
1 - لنبدأ من آخر محطة : تم منع حماد القباج من تقديم ترشيحه من طرف ولاية مراكش. المبررات التي تقدم بها الوالي تقول :
أ-»إن المعني بالأمر عبر في مناسبات علنية عن مواقف مناهضة للمبادئ الأساسية للديمقراطية، التي يقرها دستور المملكة«.
ولم يسبق أبدا أن تم المنع على قاعدة »معاداة الديمقراطية«…
كما أن هناك ضرورة لربط الدفاع عن دستور 2011، والذي ساهم فيه القباج وحركته بشكل لافت في مظاهرات المغاربة لمساندة خطاب الملك في مارس 2011… بمناقشة الموقف من الديمقراطية.
علينا أن نضع تمييزا بين الدستور والديمقراطية، كأن تكون من المدافعين عن الدستور ولا تكون بالضرورة ديمقراطيا.
وقد سبقتنا فرنسا إلى وضع أولويات بين الديمقراطية والجمهورية، ووضعت الجمهورية فوق الديمقراطية.. لندخل هذا النقاش إذن بكل تبعاته الممكنة!
ب- »إشاعة أفكار متطرفة تحرض على التمييز والكراهية وبث الحقد والتفرقة والعنف في أوساط مكونات المجتمع المغربي«.
هذه أفعال لا تستوجب المنع من الترشيح، بل تستوجب السجن!
فقد جاء في القانون الجديد المصادق عليه في يونيو الماضي ، أن التحريض على التمييز أو الكراهية حسب الفصل 431-5 يعاقب عليه بالحبس من شهر إلى سنة وغرامة مالية من 5 آلاف إلى 50 ألف درهم أو إحدى العقوبتين.
التعليل غير مقنع إذن، وكان من الممكن أن تبحث ولاية مراكش في مبررات أخرى في قانون الاحزاب، من قبيل استعمال الدين في السياسة والرجل داعية مثله مثل الفيزازي أو غيرهما…كان من الممكن أن تفتح ولاية مراكش نقاشا جديا لو استندت على ضرورة احترام الأحزاب لعدم ترشيح رجال دعوة ودين ، لما في ذلك من خلط بين السياسة والدين .. لكنه تعليلها يتضمن كل مبررات رفض القباج في البرلمان، إلا … القانون!
لا قاعدة سياسية ممكنة
لحد الساعة ما زال السجال السياسي حول الانتخابات يتم في حيز غير سياسي..مثلا الحكومة ، بشطريها المحافظ والتقدمي، نقلت النقاش من السجل المادي للسياسة إلى السجل النظامي بالحديث عن التحكم وما إلى ذلك.
نحن نناقش خارج العرض السياسي الذي يجب أن يكون قاعدة لحكم الناخب، فإما أن ذلك دليل على أننا لم ندخل بعد زمن السياسة الفعلية، وأن كل ما قطعناه بتعاقداتنا المعروفة لا معنى له، وإما أن هناك مسكوتا عنه لا يريد أن يفصح عن نفسه، وإما أن هناك -ثالثا - شعورا بأننا على أبواب تحول كبير لا نريد أن نعطيه اسمه.. ويستوجب الردود التي نعيش ..
وفي كل الحالات فنحن نشعر بأننا في حاجة إلي هتشكوك يفسر لنا بعض من حجب المعلومات المهمة (من شخصياته ومنا) وإثارة مشاعر المشاهدين«..
إننا بتلخيص:
نفكر حيث لا نوجد
ونوجد حيث لا نفكر..
والسيناريو شبيه بأفلام المعلم الكبير في السينما..
الفرصة التي تنتظرها الديمقراطية
مستقبل المؤسسات يتقرر اليوم، والواضح أن الضغوطات لا تأتي دائما من الجهة التي نعتقد ! ضغوطات تقوم بها أيضا الأطراف التي تقول بأنها عرضة للهجوم. هناك نوع من توازن الضغط أو الضغط المتوازن.
طيب: ستربح الديمقراطية كثيرا إذا ما نحن دخلنا زمن السلاسة والتطبيع..وأمام الداعين إلى نقل الانتخابات من محاكمة السياسات العمومية إلى محاكمة المؤسسات العمومية أن يصعدوا من أدائهم كي تكون العملية السياسية في عمق التحول )لعله الأخير) في سبيل الديمقراطية.
بمعنى آخر: على الحكومة أن تلعب دورها كاملا في الانتخابات بدون البحث عن »تفوسيخ« سياسي موهوم، وعلى الجميع أن يحترم إرادة المغاربة، …غير ذلك سيكون عبثا أو فيلما هتشكوكيا إضافيا لا أحد يعرف مآله..
في القاموس السياسي:الله، أمريكا والتحكم..
من يتابع في الآونة الأخيرة* ، والتي دشنها القباج نفسه ، تم التدرج في القاموس السياسي من .. الشرع إلى الله سبحانه وتعالى مرورا بالتحكم وبأمريكا.
وبواضح المعنى: طغت على السطح في الفضاء العمومي دعوات تعتبر التصويت على حزب رئيس الحكومة »واجب شرعا«، وبأنه انتصار للدين ، وهو بذلك تصويت رباني (سبحانه عم يصفون)، كما طغت مقولات التحكم ، في توجيه مزاج الناخب وتأطير العملية الانتخابية ودخول أمريكا إلى المعترك سواء باتهام السلفيين لبعضهم البعض بوجود يد القوة العظمى في توجيه دخولهم إلى المعترك ، أو اتهام أمريكا في خلق المرحلة السياسية منذ 2011….
ومن هتشكوكية المرحلة أن الانتخابات تدور كما لو أن المغاربة عليهم أن يختاروا بين التصويت لله.. سبحانه عم يصفون، والتصويت على التحكم أو التصويت على أمريكا!
هتشكوكية من نوع رفيع!