التعددية و«الانتخاب الطبيعي» على الطريقة الداروينية

التعددية و«الانتخاب الطبيعي» على الطريقة الداروينية!

المغرب اليوم -

التعددية و«الانتخاب الطبيعي» على الطريقة الداروينية

بقلم : عبد الحميد الجماهري

لا شيء يهدد المغرب، تاريخيا، سوى محاولات فرض تأطير حديدي لحياته الوطنية، ولا شيء يهدد المغرب اليوم، في نسيجه وبنيانه العام سوى قتل .. التعددية.
لقد تعرضت التعددية في المغرب لمحاولات قتل عديدة:
باسم الشعب
وباسم الدين
وباسم الملكية 
باسم الشعب لما كان الكثير من التلاميذ السحرة يعتقدون بأن المغاربة ليسوا في حاجة إلى الديمقراطية لكي يعيشوا ولكي يضمنوا لهم مكانا تحت الشمس، كان الخبز هو ذريعة الاستبداد في قتل التعددية.
وباسم الدين لما قيل بأن القوى الباحثة عن تعددية سياسية تمتح من مشارب الأرض الكفرية، في الستينيات والسبعينيات، هي قوى ملحدة في بلاد أمير المؤمنين ،أن الحل هو حلها، وأن المطلوب إجماع وطني حول ضرورة الاستبداد لحماية الدين الإسلامي..
وباسم الملكية، لأن الذين كانوا يحتاجون إلى ملكية محزبة، كانوا يرون في الأحزاب المنافسة فعلا ذا نزوع جمهوري أو انقلابي..
وحقيقة الشيء أن المغاربة لم يعرفوا أي نظام آخر غير نظام الملكية، ولم يعرفوا طوال 14 قرنا غير الدين
ولم يكن الشعب المغربي طوال حياته إلا شعبا .. تعدديا!
1 - تاريخيا تعد التعددية التعبير الأبرز عن هوية مغربية متراكبة، متنوعة تصنع الشخصية الوطنية، في ديناميتها وتحولاتها، كما أن التعددية تعبير عن «مأزق» سياسي ، لم يجعل الحركة الوطنية، التي قادت البلاد إلى الاستقلال تحكم بعد الحصول عليه.
وذلك، على عكس الحركات الوطنية في أقطار المغرب الكبير وفي الشرق الأوسط، والعالم الثالث عموما، حيث وصلت الحركة الوطنية إلى الحكم بعد الاستقلال.
وإذا كان هناك ظلم تاريخي في حق الحركة الوطنية المغربية، وعلى رأسها حزب الاستقلال الذي ضم كل القادة الوطنيين من علال الفاسي إلى المهدي بنبركة، مرورا ببوعبيد وعبد لله إبراهيم وبلافريج ويزيد وبوبكر القادري والفقيه البصري واليوسفي وبونعيلات ……وغيرهم كثير، فإنه فتح في المقابل الباب لكي يكون فرصة تاريخية، للتعددية.
ما كان ظلما تاريخيا أصبح فرصة سياسية، إذا ما نظرنا إلى تجارب الحكم التي أوصلت الحركات الوطنية إلى الحكم وانتهت بأنظمة الحزب الواحد أو الشخص الواحد.. 
2 - إضعاف الأحزاب وفرض وجودها في موقع هزيل هو في الواقع دفع الناخب إلى اختيار الحزب القوي الذي قد يستعمل التعددية لتبرير تفوقه وهيمنته واستفراده بالمشهد الشعبي..بل إن إضعاف التعددية هو إعاقة التحول الديموقراطي والحكم بالجمود على حقل سياسي فقد مناعته، مما قد يفتح الطريق أمام الدولة وأجهزتها للقيام «بالانتخاب الطبيعي» على الطريقة الداروينية…
3 - بعد تثبيت المصالحة الوطنية، التي انطلقت مع التصويت الإيجابي على دستور 1996 واستمرت عبر عمل هيئة «الإنصاف والمصالحة»، ثم إصدار تقريرها النهائي وصولا إلى «دسترة» العديد من خلاصاتها، كان لافتا في فورة العهد الجديد، أن الخطب الملكية رفعت الخيار الديموقراطي إلى ثابت بنيوي رابع في هوية الدولة والمجتمع المغربيين.
وهو ما أعطى للتعددية قوة إضافية، ضمن النسيج الدستوري الذي سيؤطر البلاد..غير أن المراحل التي تلت تلك الفورة أعطت للتأهيل الحزبي أولوية أكبر من التأهيل البنيوي للمؤسسات بما يقتضيه الخيار الرابع كثابت بنيوي في هوية الدولة من ارتقاء بالمؤسسات وبالنصوص التي تشرط عملها(العلاقة بين السلط، أدوات محاربة الفساد، توزيع الثروة الخ)!
ومن اللافت أيضا أن محاولة إصلاح أدوات الإصلاح، كشعار يهم الحياة الحزبية فتح الطريق سيارا نحو حزب واحد قوي، صارت مواجهته تفترض توازنا أحاديا! وهو أمر ينتقل من السياسة في المغرب من سجل الصراعات بين هيمنة الدولة وتعبيرات المجتمع إلى صراع توازن بين تمثلين وتمثيليتين للدولة -المجتمع معا!
ومن اللحظات النادرة التي يحصل فيها التماهي بين الدولة المجتمع (ظاهريا) هي لحظات الارتباك السياسي والمؤسساتي….
وبغض النظر عن مآل الصراع من أجل تحديث القرار الشعبي والتمفصل بين الدولة والمجتمع في الفترة الممتدة من الاستقلال إلى حدود المصالحة التاريخية حول مشروع طي صفحة الماضي، فإن المعادلة التي تبدو حاليا مقترحة على المغاربة : هي الاختيار بين الدفاع عن حداثة المجتمع من أجل تقليدانية الدولة، أي انحسارها في هياكلها التقليدية، وبين تقليدانية المجتمع من أجل توسيع حداثة الدولة أي السماح بالتمثيل الشعبي للدخول إلى مربع الحكم القار!
(يتبع)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التعددية و«الانتخاب الطبيعي» على الطريقة الداروينية التعددية و«الانتخاب الطبيعي» على الطريقة الداروينية



لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:14 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج القوس

GMT 15:51 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج العذراء

GMT 11:04 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج العذراء

GMT 00:58 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

دراسة تحدّد الأطفال الأكثر عرضة لخطر السكري من النوع الثاني

GMT 19:55 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

رشيد دلال مساعدا للكيسر في تدريب أولمبيك آسفي

GMT 05:10 2016 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تستضيف أعمال الفن العربي الحديث في متاحفها

GMT 07:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

غوايدو يدعو الفنزويليين للاحتجاجات ضد مادورو

GMT 17:50 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وهبي يراسل وزير الصحة بشأن غياب دواء مرضى السرطان
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya