بقلم : عبد الحميد الجماهري
لا يمكن لخطاب الملك، في افتتاح الدورة التشريعية الحالية، أن يحل في حيز الروتين السياسي، إذ أن توجهه بالنقد إلى الآلة الأكثر قوة في الدولة، وهي الإدارة… يجعل منه خطابا يتجاوز مناسبته إلى عمق الإشكال في بيروقراطية المغرب.
الإدارة ليست موظفين جالسين بين كأسين يتداولان ثمن العدس، بل هي الدولة وقد صارت جزءا من حياة الناس.. وهي الدولة وقد دخلت تفاصيل المجتمع وتراكبت معه..بل لخصت الإدارة في مراحل عديدة كل أعطاب الدولة الحديثة في المغرب..
كان لافتا أن الدولة ولدت، في جزء منها من لقاح الإدارة والبيولوجيا!
كما كان الباشا يورث الباشوية،
والقائد يورث القيادة
ووووو
وكان تطور الدولة يقتضي خروجها من الهوية البيو- إدارية، بما هي شكل من أشكال المخزن..
(هل يمكن أن تتطور الإدارة بدون أن يتطور المخزن؟ إذا كان هو نفسه نتاج لقاء البيولوجيا بالآلة الإدارية ؟ هذا السؤال قد يحيل إلى نسبة الإدارة في المخزن ونسبة المخزن في الإدارة)…
لهذا تأخذ دعوة الخطاب هدفا أكبر وحجما أكبر مما نتصور عندما يقول جلالة الملك: «أعتز بالتعامل المباشر مع أبناء شعبي، وبقضاء حاجاتهم البسيطة، وسأظل دائما أقوم بذلك في خدمتهم .ولكن هل سيطلب مني المواطنون التدخل لو قامت الإدارة بواجبها؟
الأكيد أنهم يلجؤون إلى ذلك بسبب انغلاق الأبواب أمامهم، أو لتقصير الإدارة في خدمتهم، أو للتشكي من ظلم أصابهم».
معنى ذلك، أن الملك لا يدير الإدارة،
ولا يريد أن يعوضها..
كان لافتا للغاية أن الملك أراد أن يحرر وضعه الاعتباري من مهمة موكولة للإدارة، تدفع المغاربة لأن يلجأوا إليه لكي ينصفهم أو يعجل بإنصافهم..
ليس الملك سلطان الزمن القديم الذي يفتح السرادق والطرق لكي يرفع الناس مظلماتهم، حتى وإن كان هذا الجانب هو من عمق تميزه الإنساني ومن عمق «بروفايل» الملك القريب من الشعب..
الإدارة معضلة لا يمكن أن يقوم الملك،
حتى الملك ..
بتعويضها إذا توقفت عن العمل المطلوب..
إحدى نقط الضعف في تقرير الخمسينية الجريء، هو إعفاء نفسه من الإدارة التي كانت تصنع السياسة!
من المهم أن نشير إلى أن إحدى نقط المغرب الحديث، في صراع الشرعيات، هي الإدارة التي نصنع بها الشرعية: حسب الأولوية التي نعطيها للوطن أو للإدارة!
الإدارة التي لا تخدم المواطن لكنها «تخدم» بلغة بوستة، أطال الله عمره، النتائج وتعيد قراءة التوجهات داخل الرأي العام…
الإدارة التي تخلق الثروة وتخلق الطبقات حتى..
هذه الإدارة التي شكلت أيضا «هوية» الدولة، في لحظات الصراع بين الشرعيات أو في لحظات التوازنات السياسية، هي التي أخرت الإصلاح
ولهذا لا بد من إصلاحها..لكي يستقيم إصلاح أدوات الإصلاح!
فالإدارة هي تعريف من تعريف الدولة (الدولة تراب زائد إدارة).. لهذا ظل السؤال المهم في التعريف السوسيولوجي له راهنيته عندما يعبر بالقول : في بلادنا هل الدولة- الإدارة تصنع الوطن أم الوطن يصنع الإدارة؟..
وهو نقاش يعتبر بورديو أنه جد مهم سياسيا وإن كان بدون دلالة علميا!
ختاما:
لقد كان لويس 11 يردد: «في مجال الإدارة كل الإصلاحات فظيعة»! وهي حكمة قد تكشف حجم المقاومة التي قد يتعرض لها أي إصلاح.