الوصفة البنكيرانية

الوصفة البنكيرانية

المغرب اليوم -

الوصفة البنكيرانية

حسن طارق

تُنتهك حقوق المغاربة في السلامة البدنية والتظاهر السلمي، وننتظر موقفين: موقف الداخلية وموقف رئيس الحكومة. نفعل ذلك ونحن نعرف جميعا الجهة صاحبة القرار، لكننا نتوزع بين من يفكر في فرضية الإحراج السياسي للحكومة ورئيسها، من طرف الدولة «العميقة»، وقد يزداد وهو يفعل ذلك تضامنا مع «صمود» حكومة تحت القصف. ومن يستغل الحدث لإطلاق النار على رئيس الحكومة والحزب الذي يقود التجربة، بسوء نية مقصود. ومن ينتقده بموضوعية ومبدئية انطلاقا من الصلاحيات التي باتت تتوفر عليها السلطة التنفيذية منذ دستور 2011.
من جهته يدبر بنكيران الوضع بدهائه الاستثنائي. يخرج في المجلس الوطني للحزب لكي يركب موقفا سياسيا يتضمن رفضه الصريح من جهة للاستعمال غير المبرر للقوة، ومن جهة أخرى لمخالفة القانون من طرف المحتجين. يعلن انطلاقا من مسؤولية رجل الدولة أن الأمر لا يقدر انطلاقا من تعاطف تلقائي مع المُحتجين ضد رجال الأمن. وفي خضم ذلك، يوضح لأعضاء حزبه وللرأي العام أنه اتصل بوزير الداخلية (مرؤوسه) ليعرف بالضبط ما وقع للمتظاهرين (يعني أنه لم يكن على علم مسبق بمسار الأحداث).
في خضم الأسبوع الموالي تتوالى أصوات الإدانة والتضامن مع الأساتذة المتدربين، وينتقل صداها من الصحافة ووسائط التواصل الاجتماعي إلى البرلمان، فيأتي وزير الداخلية لمجلس للنواب بالمفردات التقليدية لخطاب أمني نمطي، وبالنبرة الحازمة ذاتها: يحمل المسؤولية للمحتجين على عدم احترام القانون، ويوظف حجة السلطة الدائمة حول تسييس الاحتجاج، ثم فجأة يُخرج «جملته الصغيرة» المفحمة: «رئيس الحكومة كان على علم بمسألة منع المسيرات».
بعد هذا التصريح بساعتين أو أقل قليلا، يأتي بنكيران إلى مجلس المستشارين، ليقسم من جديد بأغلظ أيمانه بأن لا علم له بتعنيف المحتجين (يعني أن كل ما أخبر به، بشكل مسبق، هو قرار منع المسيرات)، وبعد ذلك يعلن – مع ذلك – عن مسؤوليته السياسية عما وقع.
في العمق، كنا نعرف جميعا أن التوزيع السياسي للصلاحيات الأمنية لا يزال يُبقي بوضوح تام على ازدواجية الدولة / الحكومة، لكن مع ذلك ظل بنكيران وفيا لمنهجه السياسي؛ لقد حرص على احترام منطق الدولة والمسؤولية، وفي الوقت نفسه استطاع أن يقف بمسافة معقولة مع «واقعة التعنيف».
مع هذه الواقعة، وغيرها، نعيد في الحقيقة، قراءة الوصفة البنكيرانية، كما جُرّبت في حالات سابقة على امتداد السنوات الأربع الأخيرة، اعتمادا على العناصر التالية:
– إصرار براغماتي على التدبير الحكومي بمقاربة سياسية مرنة في إطار من السعي إلى التوافق الكامل مع المؤسسة الملكية، وإلى التعبير الدائم عن رسائل الثقة والطمأنة.
– استيعاب جليدي لضربات مقاومي التجربة بدون أي سقوط في الاستفزاز، ودون أن يؤثر ذلك على علاقة «طبيعية» مع الدولة، ولا أن يرهن انسيابية العمل الحكومي.
– جهد موصول في التواصل الذكي مع عموم الشعب، من موقع رئاسة الحكومة، بشفرة سرية نافذة، تلمح أكثر مما تصرح، لكنها تنجح في أن تحدد في ذهنية المُتلقي العادي، «خصوم الحكومة» و»أعداء الإصلاح»، وذلك بوضوح كاريكاتوري أو شيطاني، حسب الحالات.
– شراسة سياسية نادرة في الخطاب الصادر عن القبعة الحزبية، حيث تستعيد هنا الكلمات قوتها ومباشرتها، عبر إعادة تكييف «نضالي» لطبيعة المساهمة الحكومية كمقاومة للتحكم وكنزال يومي مع ارتدادات السلطوية، وهنا تصبح الأهداف أكثر دقة واسمية.
هذه الوصفة أثبتت نجاحها، ليس فقط، بفضل استمرار التفوق الأخلاقي لحزب بنكيران، بل أساسا بمؤامرة قتل المعارضة الوطنية الديمقراطية، وتعويضها بمعارضة فاقدة للاستقلالية وللمصداقية وناطقة باسم التحكم.
لنتحدث في الأخير عن حدود هذا النجاح: هل يمكن للوصفة البنكيرانية، التي حصّنت التجربة الحكومة وأمَّنتْ استمرارها، أن تقود إلى تأمين الانتقال الديمقراطي؟
سؤال يستحق التفاعل!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الوصفة البنكيرانية الوصفة البنكيرانية



GMT 04:24 2017 الأربعاء ,07 حزيران / يونيو

السياقة بـ”المارشاريير”!

GMT 05:16 2017 الخميس ,18 أيار / مايو

حَرَاك الحسيمة والنقاش المطلوب

GMT 05:19 2017 الخميس ,04 أيار / مايو

بيضة التنظيم..!

GMT 05:40 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

“الساندروم” السحري

GMT 06:44 2017 الأحد ,30 إبريل / نيسان

الشـوط الثانـي

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 19:14 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العقرب

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 15:33 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الجوزاء

GMT 19:14 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

جون تيري يكشف مميزات الفرعون المصري تريزيجيه

GMT 17:27 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وضع اللمسات الأخيرة على "فيلم مش هندي" من بطولة خالد حمزاوي

GMT 22:05 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

إليك كل ما تريد معرفته عن PlayStation 5 القادم في 2020

GMT 05:54 2017 الأربعاء ,12 إبريل / نيسان

بسمة بوسيل تظهر بإطلالة العروس في أحدث جلسة تصوير

GMT 09:38 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

خلطات منزلية من نبات الزعتر الغني بالمعادن لتطويل الشعر

GMT 16:41 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

لمحة فنية رائعة من صلاح تسفر عن هدف

GMT 12:21 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

محمد يتيم يعود للكتابة بالدعوة إلى "إصلاح ثقافي عميق"
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya