الملكية والأحزاب الاحتواء أم التعايش أم الشراكة

الملكية والأحزاب: الاحتواء أم التعايش أم الشراكة؟

المغرب اليوم -

الملكية والأحزاب الاحتواء أم التعايش أم الشراكة

بقلم : حسن طارق

شكلت طريقة تدبير المؤسسة الملكية للنخب السياسية، موضوعا أساسيا لعلم السياسة في المغرب، وتحيل عناوين بعض المؤلفات ذات الصيت الكلاسيكي إلى مركزية هذا الموضوع في تناول وتفكيك آليات اشتغال النظام السياسي المغربي.
وحتى عندما حاولت – بصعوبة – الدراسات التأسيسية لمدرسة علم السياسة المغربي، تجاوز الأطروحات المرجعية والمهيمنة التي أنتجت خلال الستينيات، فقد احتفظت بموضوعة العلاقة بين الملكية والأحزاب، كأحد المحاور الرئيسية للبحث والسؤال.
لقد انطلقت العلاقة بين الملكية والأحزاب، في سياقات توافقية في زمن النضال الوطني، حيث ساهمت الحركة الوطنية في إعادة إحياء وبعث فكرة الملكية المغربية، وبعد الاستقلال تحولت العلاقة من سجل التوافق إلى حالة التنازع والتنافس الحاد، حيث أخذ الصراع بعدا حديا ينبني على تنازع بين المشروعيات، وبعد حسم الملكية لصراعها مع الحركة الوطنية، بإعلان دستور 1962، بدأت تتبلور لديها معالم سياسة حزبية، قائمة على دعم التعددية الحزبية لتكسير شوكة الحزب الوطني “المهيمن”، وعلى إنتاج ما سيسميه محمد معتصم بظاهرة “الحزب الأغلبي”، الذي يؤسس من طرف مقربين من القصر قبيل الانتخابات ليفوز بأغلبية المقاعد.
بالنسبة إلى الباحث “يونس برادة”، الذي اشتغل على موضوع السياسة الحزبية للملكية، فإن رؤية الحسن الثاني للأحزاب السياسية، ظلت قائمة على محورين أساسيين:
– التأكيد على أهمية تأطير المواطنين من طرف الأحزاب بالنسبة إلى استقرار النظام، وذلك من خلال سد الفراغ وهيكلة الرأي العام.
-الدعوة إلى الانخراط في الأحزاب السياسية باعتبارها المجال الأرحب للتنشئة السياسية طبقا للدستور.
ليخلص إلى أن تحليل واقع السلطة بالمغرب، يوضح كيف أن الملكية ظلت تنظر إلى الأحزاب بوصفها روافد داعمة، وليست أقطابا فاعلة انطلاقا من تمثلها كقنوات لتزكية السلطة، وليس كقنوات للمشاركة في السلطة.
الواقع أن وضعية الأحزاب السياسية خلال زمن الحسن الثاني، لم يكن بعيدا عن الخطاطة النظرية للأنظمة السلطوية، حيث يتم الإقرار القانوني بالحق في تأسيس الأحزاب وبحرية عملها، لكنها ترمي إلى حالة من الهشاشة والعجز الوظيفي، حيث تصبح أحزابا بلا سلطة ولا تأثير لها في القرار العمومي.
في بداية عهد محمد السادس، وبعد أن شكلت الأولوية الاقتصادية والتنموية عنوانا للسنوات الأولى، حيث ستعتبر المؤسسة الملكية النظام المؤسساتي شبه مكتمل، وأن المعركة هي بالأساس معركة اقتصادية وتنموية، سيتحول الخطاب بعد 2003، إلى التأكيد على الحاجة إلى التأهيل السياسي، وإلى ضرورة تقنين وتطوير عقلنة وإصلاح الأحزاب السياسية كأحد مداخل هذا التأهيل، دون الوصول طبعا إلى حالة الملكية البرلمانية، لذلك فهو كأي نظام شبه رئاسي بنزوع برلماني، يعرف ثنائية على مستوى السلطة التنفيذية، يبقى مؤهلا لنوع من التوترات الهيكلية بين شقه الرئاسي وشقه البرلماني.
هذا التوتر بين التأويلين الرئاسي والبرلماني، قد يترجم في بعض الحالات في صيغة توتر بين المؤسسة الملكية وبين الأحزاب السياسية، الحامل الطبيعي للنزوع البرلماني للنظام السياسي.
وإذا كانت على المستوى المؤسساتي، السلطة التنفيذية هي المجال الحيوي لهذا التوتر، فإنه على المستوى السياسي سيصبح سؤال استقلالية القرار الحزبي، هو السؤال المطابق للحلقة المركزية من ديناميكية التطور السياسي نحو الديمقراطية.
كيف ذلك؟
في مرحلة خروج من السلطوية، وداخل نظام دستوري متردد بين الطبيعة الرئاسية والنزوع البرلماني، يشكل الحقل الحزبي موضوعا مغريا للرهانات السياسية المتقاطعة، من جهة رهانات تعزيز البناء الحزبي كقاعدة لتوطيد الشرعية الديمقراطية والتمثيل السياسي وسلطة الاقتراع العام، ومن جهة أخرى رهانات مصادرة القرار الحزبي المستقل كقاعدة لالتفاف الارتدادات السلطوية على المساحات البرلمانية /الديمقراطية داخل نظامنا الدستوري والسياسي.
لذلك لم تحمل أي مرحلة سياسية في السابق، قضية استقلالية القرار الحزبي، كعنوان مركزي، مثلما تحمله المرحلة الراهنة.
ببساطة لأن الحقل الحزبي، لم يكن، مثلما هو عليه اليوم، منتجا لرهانات سياسية مهمة، بالنظر إلى محدودية انفتاح النظام السياسي- في مراحل سابقة – على الاقتراع العام والإرادة الشعبية والانتخابات التنافسية.
ثم إن التحولات السياسية التي يعرفها المغرب منذ عقود، قد تلخص، كذلك، في تحولات العلاقة بين الملكية والأحزاب، وهذه التحولات قد يمكن التعبير عنها من خلال الاستعارة التالية: البحث عن الانتقال من زمن أحزاب الملكية، إلى زمن الملكية الثانية باعتبارها ملكية للأحزاب كذلك.
خلال الزمن الأول انطلقت الملكية من حالة صراع تنازعي مع الأحزاب، إلى حالة تنميط شكلاني لوظيفتها كقناة لتعزيز شرعية النظام السياسي وخدمة المشروع الملكي.
وخلال الزمن الثاني، يمكن للملكية الواثقة من شرعيتها، والتي أعاد الميثاق السياسي الجديد تعريفها كمؤسسة مركزية وتوافقية وتحكيمية، أن تساهم بواسطة صلاحياتها الاستراتيجية وبتموقعها فوق الصراعات السياسية والحزبية، في ضمان الاختيارات الديمقراطية التي تعبر عنها الأحزاب السياسية المستقلة في قرارها، ضمن حقل التباري الانتخابي والتنافس الحر بين مشاريعها الاقتصادية والاجتماعية، ضمن حقل السياسات العمومية المرتبط بمنطق الولاية الانتخابية .

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الملكية والأحزاب الاحتواء أم التعايش أم الشراكة الملكية والأحزاب الاحتواء أم التعايش أم الشراكة



GMT 09:40 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

فعول، فاعلاتن، مستفعلن.. و»تفعيل» !

GMT 06:51 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

من يسار ويمين إلى قوميين وشعبويين

GMT 07:57 2018 الثلاثاء ,06 آذار/ مارس

أسوأ من انتخابات سابقة لأوانها!

GMT 06:13 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

خطة حقوق الإنسان: السياق ضد النص

GMT 07:07 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

المهنة: مكتب دراسات

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 19:14 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العقرب

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 15:33 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الجوزاء

GMT 19:14 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

جون تيري يكشف مميزات الفرعون المصري تريزيجيه

GMT 17:27 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وضع اللمسات الأخيرة على "فيلم مش هندي" من بطولة خالد حمزاوي

GMT 22:05 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

إليك كل ما تريد معرفته عن PlayStation 5 القادم في 2020

GMT 05:54 2017 الأربعاء ,12 إبريل / نيسان

بسمة بوسيل تظهر بإطلالة العروس في أحدث جلسة تصوير

GMT 09:38 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

خلطات منزلية من نبات الزعتر الغني بالمعادن لتطويل الشعر

GMT 16:41 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

لمحة فنية رائعة من صلاح تسفر عن هدف

GMT 12:21 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

محمد يتيم يعود للكتابة بالدعوة إلى "إصلاح ثقافي عميق"
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya