أكتوبر اليسار وسؤال المستقبل

أكتوبر اليسار وسؤال المستقبل !

المغرب اليوم -

أكتوبر اليسار وسؤال المستقبل

بقلم : حسن طارق

شكلت الحملة الانتخابية لفيدرالية اليسار الديمقراطي أحد العناوين الكبرى التي طبعت الانتخابات التشريعية الأخيرة، سواء على مستوى الاهتمام الإعلامي أو من خلال حجم التعاطف غير المسبوق الذي لاقته اللائحة الوطنية الفيدرالية، ممثلة بالسيدة نبيلة منيب، الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، من طرف رموز النخبة الفكرية والأكاديمية والثقافية والفنية ببلادنا، أو على مستوى الحضور القوي داخل وسائط التواصل الاجتماعي .
المؤكد اليوم أن كل هذا “العنفوان” لم يجد له طريقا إلى صناديق الاقتراع، ليترجم كأصوات انتخابية تكفي لتشكيل فريق برلماني، أو مجموعة نيابية على الأقل، أو لمجرد تمثيل اللائحة الوطنية للنساء والشباب.
لكن هذا لا يمنع من القول بأن هذه الهزيمة الانتخابية القاسية، تحمل رسالة أمل لابد من التقاطها، والعمل على تحويلها إلى مشروع سياسي طموح .
ذلك أن قراءة نتائج اللائحة الوطنية للفيدرالية على مستوى المدن، توضح بشكل مفارق أن الأمر يتعلق بقوة سياسية حضرية وازنة، فإذا كانت الفيدرالية لم تستطع أن تحصل إلا على مقعدين، في دائرتين لهما دلالة رمزية وسوسيولوجية خاصة (الرباط المحيط/البيضاء أنفا)، فإنها استطاعت في المقابل أن تحصل، خاصة في خانة اللائحة الوطنية، على أرقام جد مشجعة، جعلتها على مستوى الترتيب تأتي في الغالب بعد المتنافسين “الكبار”، وخاصة قطبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، كما أنها استطاعت في غالبية المدن الكبرى أن تحصل على عدد من الأصوات يفوق بكثير مثلا أصوات “الاتحاد الاشتراكي”، كما هو الحال في دائرتي الرباط، دائرتي سلا، خمسة من دوائر البيضاء، فاس الجنوبية، أكادير، وجدة، مكناس، تمارة…
دلالات هذه الأرقام تؤكد أن الفيدرالية لم ترفض من طرف ناخبي المدن، وأنها على الأرجح استفادت من حالة تصويت سياسي واضح، لا علاقة له في الغالب بالتفاعل مع لوائح محلية (غير مقنعة انتخابيا على العموم)، ولا بخوض حملات محلية ناجعة.
وهو ما يعني أن الاستقبال النخبوي الذي استفادت منه الفيدرالية، والذي أعاد نوعا من الألق لفكرة الالتزام السياسي للمثقفين المغاربة، يوازيه في المقابل- مع تفاوت طبيعي- استعداد واضح للمزاج الانتخابي المديني، للتفاعل الإيجابي مع هذا الصوت اليساري .
تفسير ذلك يرتبط بالأساس بحالة الفراغ الذي يعرفه المشهد الحزبي المغربي، خارج المشروع السياسي للعدالة والتنمية، والذي لا ينافس سوى نفسه داخل فئات الناخبين المنتمين للطبقات الوسطى .
لذلك فهذا الالتفاف النسبي دليل طلب واضح على صوت سياسي مستقل عن الإدارة، يحمل فكرة البديل ويملك قدرا من المصداقية، صوت يستطيع إعادة تملك شعار الحداثة خارج الاستعمالات السلطوية الفجة .
إن “7 أكتوبر” هي كذلك زلزال عنيف للخريطة الحزبية الوطنية، وهي إيذان بدورة حياة جديدة للحزبية المغربية.
ولذلك فهي فرصة لاستخلاص الدرس، ولإعادة فتح النقاش حول مستقبل اليسار، الذي ومنذ بداية الستينيات، لم يحدث أن وجد نفسه، في أي محطة انتخابية، على هامش المعادلة السياسية المغربية كما هو عليه اليوم .
ذلك أنه يبقى عنصرا رئيسيا للتوازن في مشهد حزبي يعرف من جهة هيمنة واضحة لحزب العدالة والتنمية، ومن جهة أخرى يعرف ضعفا باهتا لأحزاب اليمين الليبرالي على مستوى الاستقلالية والمشروع السياسي.
وهو ما يجعل من الحاجة إلى اليسار مضاعفة من جهة للدفاع عن الديمقراطية والمواطنة وحقوق الإنسان، ومن جهة أخرى للدفاع عن العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص.
ولعل أهم تحول يستطيع اليسار “الجديد” استثماره، يتعلق بالمتغيرات الكبرى للظاهرة الانتخابية، والتي تتميز أساسا بعودة واثقة للسياسة، وبتحرر نسبي واضح في القدرة على التعبير الحر على السيادة الشعبية، ويتراجع ثالوث “المال، الإدارة، البادية” كبنية محددة للسلوك الانتخابي .
ذلك أن لوائح الفيدرالية استطاعت مثلا بكل سهولة، في عدد كبير من الدوائر، تجاوز لوائح أحزاب وطنية وديمقراطية، لجأت إلى خدمات أعيان الانتخابات.
في النهاية، فإن هذه اللحظة الانتخابية يمكن استثمارها لصياغة مشروع سياسي جديد، أكثر تعبيرا عن التيار الاشتراكي الديمقراطي الموجود داخل المجتمع، والذي لم يعد يستطيع التماهي مع أي من التنظيمات الموجودة.
مشروع لا يعتبر الوحدة مسألة انصهار ميكانيكي للتنظيمات، ولكن تفاعلا حيا مع طلب مجتمعي معلن.
مشروع لا يحمل أي عقدة من الجمع بين المبدئية السياسية والشرط الأخلاقي والنجاعة الانتخابية .
مشروع يعيد التفكير في التموقع الإيديولوجي، في أفق الانتقال من يسار اليسار ومن حالة اليسار نصف الإصلاحي/نصف الاحتجاجي، إلى مساحة فارغة اليوم، وهي اليسار الإصلاحي بالمرجعية الاشتراكية الديمقراطية العصرية .
مشروع يعيد تعريف نفسه كقوة ديمقراطية ومنفتحة بالأساس، وليس كهوية إيديولوجية مغلقة .
مشروع ينطلق من حركية فيدرالية اليسار الديمقراطي، ومن التفاعل الذي خلفته محطة 7 أكتوبر، وينفتح على مناضلي البديل الديمقراطي، واتحاديو الشتات، والطاقات الشابة التي تحمل روح دينامية 20 فبراير، وفعاليات المجتمع المدني، ويعمل على خلق ديناميات للحوار على مستوى الجهات، تتوج بخلق قوة سياسية جديدة .

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أكتوبر اليسار وسؤال المستقبل أكتوبر اليسار وسؤال المستقبل



GMT 09:40 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

فعول، فاعلاتن، مستفعلن.. و»تفعيل» !

GMT 06:51 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

من يسار ويمين إلى قوميين وشعبويين

GMT 07:57 2018 الثلاثاء ,06 آذار/ مارس

أسوأ من انتخابات سابقة لأوانها!

GMT 06:13 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

خطة حقوق الإنسان: السياق ضد النص

GMT 07:07 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

المهنة: مكتب دراسات

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya