كأنها القيامة

كأنها القيامة

المغرب اليوم -

كأنها القيامة

بقلم : حسن طارق

في الخطاب الأخير، احتفظ المتن السياسي الملكي بالنبرة ذاتها للجيل الجديد من الخطب: فقرات قصيرة مكتوبة بلغة جد بسيطة، ونفس نقدي قوي. في المضمون ولأن المناسبة شرط، فخطاب ذكرى عيد العرش، لم يخرج عن العادة باعتباره خطابا للحصيلة في مجالات السياسة الداخلية والخارجية .
خطب العرش الأخيرة هي كذلك فرصة للتعرف على تمثل الجالس على العرش، لصلاحياته وسلطه خاصة على ضوء التوزيع الجديد للصلاحيات داخل السلطة التنفيذية كما جاء به دستور 2011.
هنا، فالخطاب السياسي للمؤسسة الملكية، يريد أن ينخرط في سجل وظيفة الإشراف الاستراتيجي وتقييم أداء باقي المؤسسات والفاعلين، وينشغل بتدبير الزمن “المستمر”، البعيد المدى والذي يتجاوز الزمن الانتخابي ومنطق الولايات الحكومية .
لذلك قدم الخطاب، بعد أن وضح المسافة التي تفصل المؤسسة الملكية عن الأحزاب والرهانات الانتخابية، محاولة لإعادة تأطير الصراع الانتخابي والسياسي، عبر نزع الطابع الدراماتيكي عنه ( dèdramatiser)، وإعادة تعريفه بعيدا عن وضعية حرب الجميع ضد الجميع، أو حالة “القيامة”، حيث “لا أحد يعرف الآخر، والجميع حكومة وأحزابا، مرشحين وناخبين، يفقدون صوابهم، ويدخلون في فوضى وصراعات، لا علاقة لها بحرية الاختيار التي يمثلها الانتخاب”.
هو إذن خطاب التهدئة (L’apaisement) الذي يعطي للاستحقاق الانتخابي حجمه الطبيعي، ولا يحوله إلى لحظة لنهاية العالم، لكنه كذلك خطاب التأطير
حيث يبدو الملك، وهو يقوم بوظيفة ضبط (la régulation) الحقل السياسي والمشهد الحزبي، عبر تحديد أدوار الأحزاب في عملية الترشيح للانتخابات، وتأطير الأداء الانتخابي لأحزاب الأغلبية والمعارضة، والتذكير بوظائف الإدارة والحكومة والقضاء في الاستحقاقات الانتخابية، والتعبير العلني عن حالة الاستغراب من بعض الانزياحات الخطابية للفاعلين. (لا نعرف هل المقصود بالمفاهيم التي تمس بحرمة ومصداقية المؤسسات هي “التحكم” و”الازدواجية”؟).
الخطاب لم يبتعد كذلك عن قاعدة “القرب” من حيث التقاط انشغالات الرأي العام، وهنا لا يمكن قراءة الفقرات المتعلقة بالفساد بعيدا عن تداعيات فضيحة “خدام الدولة”، وهنا فإن الملك حدد مرجعية وإطارا لمحاربة الفساد، المرجعية المنطلقة من المفهوم الجديد للسلطة، ومن ربط المسؤولية بالمحاسبة، والإطار المتمثل في تطبيق القانون، مع التنبيه إلى بعض منزلقات تدبير قضايا الفساد، مثل تحولها إلى موضوع للمزايدات، أو معالجتها بعيدا عن منطق القانون، أو اعتبارها قضية فرد أو حزب أو جهة لوحدها.
ولعل أقوى لحظات الخطاب، في هذا الشق المرتبط بالفساد، تتعلق بما يستفاد من الحديث عن “العصمة”، وهو ما يعني أن لا أحد محصن من المسؤولية والمحاسبة. (في المقابل لا يبدو واضحا المقصود بهذه الفقرة: “الفساد ليس قدرا محتوما. ولم يكن يوما من طبع المغاربة. غير أنه تم تمييع استعمال مفهوم الفساد، حتى أصبح وكأنه شيء عادي في المجتمع”).
المثير في الخطاب الأخير، وهو يتعرض للمسألة الأمنية، هو الإشارة الواضحة إلى التحذير من جعل أمن المغرب موضوعا “لصراعات فارغة”، وذلك بعد التأكيد على ضرورة التنسيق بين المصالح الأمنية، الداخلية والخارجية، ومع القوات المسلحة الملكية، وبعد التعبير عن التقدير الملكي للجهود والتضحيات الجسيمة لهذه المصالح والإشادة بفعاليتها.
وهنا، فإذا كان التنسيق بين المصالح الأمنية قد شكل أحد عناصر العقيدة الأمنية لما بعد 16 ماي 2003، فإن وثيرة هذا التنسيق قد تسارعت بشكل واضح في السنوات الأخيرة، كما يبدو على الأقل من خلال التعيينات الأخيرة داخل الإدارة العامة للأمن الوطني، أو من خلال إحداث المكتب المركزي للأبحاث القضائية .
ولذلك، فإشارات الخطاب الملكي في هذا الباب، تؤشر بشكل واضح على نضج التفكير في تنصيب المجلس الأعلى للأمن الذي ينص عليه الفصل 54 من الدستور، باعتباره هيئة للتشاور بشأن استراتيجيات الأمن الداخلي والخارجي للبلاد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كأنها القيامة كأنها القيامة



GMT 09:40 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

فعول، فاعلاتن، مستفعلن.. و»تفعيل» !

GMT 06:51 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

من يسار ويمين إلى قوميين وشعبويين

GMT 07:57 2018 الثلاثاء ,06 آذار/ مارس

أسوأ من انتخابات سابقة لأوانها!

GMT 06:13 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

خطة حقوق الإنسان: السياق ضد النص

GMT 07:07 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

المهنة: مكتب دراسات

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 19:14 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العقرب

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 15:33 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الجوزاء

GMT 19:14 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

جون تيري يكشف مميزات الفرعون المصري تريزيجيه

GMT 17:27 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وضع اللمسات الأخيرة على "فيلم مش هندي" من بطولة خالد حمزاوي

GMT 22:05 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

إليك كل ما تريد معرفته عن PlayStation 5 القادم في 2020

GMT 05:54 2017 الأربعاء ,12 إبريل / نيسان

بسمة بوسيل تظهر بإطلالة العروس في أحدث جلسة تصوير

GMT 09:38 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

خلطات منزلية من نبات الزعتر الغني بالمعادن لتطويل الشعر

GMT 16:41 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

لمحة فنية رائعة من صلاح تسفر عن هدف

GMT 12:21 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

محمد يتيم يعود للكتابة بالدعوة إلى "إصلاح ثقافي عميق"
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya