همس الخلود

همس الخلود!

المغرب اليوم -

همس الخلود

رشيد مشقاقة

اكتظت القاعة عن آخرها في هذا المساء من يوم الخميس 17-9-2015، إذ نجح الراحل الكبير في ما فشل فيه الأحياء، فالتف حول ذكراه الشيوخ واليَافِعُون، الأصدقاء والأعداء، الصادقون والكاذبون، المتحمسون الحريصون على احتلال الصفوف الأمامية والمتربصون بالكاميرات، والفضلاء المستوعبون جيدا لقيمة الرجل وذكراه، فهي قنبلة مُسِيلة لأوجاع ضمير أولئك الذين يتهافتون على الألقاب والمناصب، يخوضون حرباً لا تضع ضمن أهدافها مصلحة البلاد والعباد!
الحاضر المتميز الذي رفرف بجناحيه داخل القاعة كان هو الفقيد الأستاذ محمد العربي المساري ، فقد اقتحم عنوة ذاكرة الذين لا يُولُونَ للموت اهتماما، وتأكد لهم أن الهيكل العظمي الذي يتوارى تحت التراب لن يقوى الزمان مهما طال أن يواري معه قلب الرجل وعقله وعطاءه، فالراحل العربي المساري ومنذ أن تولى العقل والإدراك داخل جسمه سلطة القيادة لم يخلف وعده مع بني وطنه، وانتصر للحق والعدل والفضيلة، وفتح لها أوراشاً تشهد بها الأفعال لا الأقوال.

في هذا المساء الجميل بأسمى معاني الجمال: جمال روح الفقيد الطيبة وقد ألهمها الله تقواها ـ وقد اهتدى المنظمون إلى الآية التي تليق بالمقام. يقول الله عز وجل: «وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ» صدق الله العظيم. استمعت إلى الأستاذ امحمد بوستة يختصر سيرة الرجل في جُمْلة واحدة «كان الرجل نقي اليد»، وهي فرض كفاية. هي التي تلبس المتصف بها عباءة الزاهد في المنافع والمصالح، وقد كان الرجل كذلك.
وهي التي تجعل صاحبها وديعا محبوبا من كل الأطياف، والقاعة ـ التي نحن بها ـ شاهد عرفي على ذلك، وهي كذلك من ترفع هامة حاملها مهما تجاسر حوله الانتهازيون الملتصقون.
في حجم تواضع الفقيد، كان العقلاء من الحاضرين متواضعين، بعضهم وُقُوفٌ، وَمِنْ هم مَنْ لم يستجب لطلب ولدي الفقيد كي يجلس في الصف الأول إِلاَّ مُكرها. فالرجل يستحق الوقوف إجلالا واحتراما. وتذكرت ساعتها يوم أخبرني « السَّيد سعيد» صاحب كشك بيع الجرائد بشارع علال بن عبد الله عندما قال:
ـ رحم الله الأستاذ محمد العربي المساري، جاء ذات صباح يسأل عن أخي، فأخبرته أنه سيأتي إلى هنا مَسَاءً، هل أنقل إليه أمراً مَّا؟ فأجاب بهدوء: لا فقط، أنا مسافر إلى دولة البرازيل، فقد عينت بها سفيرا، وأريد أن أودعه. وَكَذَلِكَ كان. في المساء التقى الراحل بأخي وودعه بالأحضان!
عندما أقارن هذا السلوك، بمن يحيط نفسه بأسباب البرتوكول، والأقنعة الزائفة، أعرف لماذا الأحْيَاءُ موتى بدنياهم وآخرتهم، ويظل الموتى أحْياءً إلى الأبد !
وأقول:
لاَ يَرْحَل الوَرْدُ يَومًا عَنْ حَدِيقَتِه
تَبْقَى نَسَائِمُه حُبْلَى إِلى الأبَدِ
يَا مَنْ تُوَدِّعُهُ أورَاقُه قَلَمًا
مَا جَفَّ يَوما وَلا أَمْلى عَلى أحَدِ
سَجِّلْ خُلودك فخْراً بَيْنَ مَنْ رَحَلُوا
لا تَعْرِفُ النَّاسُ أشْبَالاً بِلاَ أَسَدِ
يَخْشَى الإِلَهَ مِنَ العِبَادِ عَالِمُهَا
وَقَدْ خَشِيتَ فَوا رُحْمَاكَ مِنْ جَسَدِ

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

همس الخلود همس الخلود



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:03 2014 الخميس ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فوائد الجوز " عين الجمل " لا يعلمها إلا القليلون

GMT 12:28 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الفرسان يتطلعون للفوز بثاني جولات بطولة "هذاب"

GMT 06:07 2017 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

سيت الأفضل لقضاء شهر عسل لتميزها بالمناظر الجذابة

GMT 03:45 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

مديرة الأزياء جين ماكفارلاند تستعرض مجموعة كافالي

GMT 06:22 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تصنف المغرب أبرز مُصدّري اليهود منذ استقلال المملكة

GMT 00:00 2014 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

" أوراق بوكافر السرية " جديد الكاتب ميمون أم العيد

GMT 23:10 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رشيد غفلاوي سعيد بانضمامه إلى فريق الساحل النيجيري

GMT 23:08 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

المهاجم فيصل عجب يثبت جدارته مع نادي التضامن

GMT 17:14 2016 الجمعة ,01 إبريل / نيسان

سر إغماض العيون أثناء تبادل القبل على الشفاه
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya