من سرق جمجمة شكسبير

من سرق جمجمة شكسبير؟!

المغرب اليوم -

من سرق جمجمة شكسبير

بقلم رشيد مشقاقة

سبحان الله، في بريطانيا تُسرق الجماجم، ولا أحد يسرق جماجمنا نحن. نحن الأكثر صخبا لا تساوي رؤوسنا شيئا، سواء أكانت حية أم ميتة، فلا يلجأ السارق أو السارقة إلى قبورنا إلاّ لانتشال فتاة بقصد اغتصابها، أو اقتلاع طقم الأسنان الذهبية لبيعها، أو اقتطاع بعض من أجزاء الجسد الميت لممارسة السحر والشعوذة!
أما السارق الذي أخفى جمجمة وليام شكسبير، فلا يخرج القصد عنده عن احتمالين اثنين: أن يكون عالما يبحث في أسرار هذه الجمجمة التي أذهلت الإنسانية، أو مُتَربحا يريد الاستفادة من ثمنها في سوق المزاد العلني.
ـ لِمَ نَسْرق جماجم موتانا؟ في ماذا يفيد رأس من يَتَهَجّى الحروف في المهام التمثيلية، من يراكم الثروات من كل حدب وصوب، من تلامس جُمْجُمَتُهُ الأرض استسلاما ونفاقا وتكسبا، من يرفعها صلفا واستعلاء وخيلاء كالطاووس، من بينه وبين الثقافة والفكر جدار سميك، أو لا يربطه به سوى الخير والإحسان.
ليس لدينا هاجس السارق الإنجليزي، فنحن نهين الجمجمة العَالمة المفكرة المبدعة مترنحة كانت أو ميتة، وتفتح المقابر الخاصة أبوابها للأثرياء وذوي النفوذ وتوصدها في وجه رجال العلم والفكر والأدب!
وقد نُعْذَر في ما نحن فيه، فالجماجم الجوفاء التي تملأ الركح صخبا وتحضن ضرع الريع ثمنا لن توقظ في سارق التحف النادرة فكرة سرقتها، فهي ذات صيت ورباطة جأش وتحكم متى ظل بها رمق الحياة، فإن لم يرج منها خير بموتها، تصبح والعدم سواء!
انظر جيدا إلى هذه الجماجم العالمة الأديبة المفكرة، من يوليها اهتماما وهي تنتصر للحق والفضيلة والقيم الكونية، هي مقلقة، محرجة، معارضة، مشاكسة ملحاحة قيد حياتها، ما ينفك عداتها يكممون أفواهها بكل سبيل، فإن هي أسلمت الروح لبارئها دخلت في طي الإهمال، نسية منسية حية وميتة، إلاّ قلة قليلة من نبهاء القوم من يردون لها الاعتبار!
عندما ردّ الرئيس الراحل صدام حسين على الفنان القدير الراحل الطيب الصديقي مُمَانِعًا في السماح لفنانين عراقيين بالمشاركة في عمل مسرحي عربي قائلا:
ـ العقول العراقية لا تغادر أرض الوطن.
أجابه الطيب الصديقي ساخرا: لو كان لهم فعلا ملكة العقل لما احترفوا الفن. فضحك الرافض وأذن لهم بالمشاركة!
نحن خشب مسندة، جماجم كالكراكيز متحركة، وعقول عصافير بأجسام مترهلة، لن يستفيد الراغب في سرقة جمجمتنا شيئا، فلا هي صالحة للبيع كتحفة نادرة، ولا هي تكتَنِزُ أسرار العبقرية الخالدة، وعقلية سارق جمجمة وليام شكسبير تختلف تماما عن عقلية السارق عندنا، فإن فكر هذا الأخير في سرقة جمجمة مفكر مغربي لبيعها بمتحف الفن المعاصر لاقتيد توا إلى مستشفى الرازي، ثم إن المقابر في بلادي مفتوحة، وأحياناً تدفع أمواج البحر بالجثث إلى قارعة الطريق!
في الوقت الذي يحتفي الغرب بعلمائه ومفكريه وفنانيه أحياء وأمواتا، وتباع في المزاد العلني أوراقهم الخاصة وملابسهم، ويجازف السارق الإنجليزي بنفسه ويستحوذ على جثة صاحب الملك «ليرْ». نحتفي نحن بذوي النفوذ خوفا منهم ماداموا أحياء، ورياء إذا ماتوا، ثم نقطع صلة الرحم بمن استعجلنا دفنهم وارتحنا من صخبهم، فقد تأكدنا أنهم لن يعودوا لحياة الدنيا، ولا فائدة من سرقة جماجمهم. نحن استرخصناها حية تُرزق، فبالأحرى إذا هي صارت من أديم الأرض!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من سرق جمجمة شكسبير من سرق جمجمة شكسبير



GMT 04:53 2017 الأربعاء ,17 أيار / مايو

غَنِّي لِي شْوَيَّ وْخُذْ عينيَّ!

GMT 04:46 2017 الأربعاء ,10 أيار / مايو

السَّمَاوِي!

GMT 05:44 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

شُفْتِنِي وَأَنَا مَيِّت!

GMT 05:01 2017 الأربعاء ,26 إبريل / نيسان

القاضي الشرفي!

GMT 04:55 2017 الأربعاء ,19 إبريل / نيسان

لاَلَّة بِيضَة!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 19:14 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العقرب

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 15:33 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الجوزاء

GMT 19:14 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

جون تيري يكشف مميزات الفرعون المصري تريزيجيه

GMT 17:27 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وضع اللمسات الأخيرة على "فيلم مش هندي" من بطولة خالد حمزاوي

GMT 22:05 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

إليك كل ما تريد معرفته عن PlayStation 5 القادم في 2020

GMT 05:54 2017 الأربعاء ,12 إبريل / نيسان

بسمة بوسيل تظهر بإطلالة العروس في أحدث جلسة تصوير

GMT 09:38 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

خلطات منزلية من نبات الزعتر الغني بالمعادن لتطويل الشعر

GMT 16:41 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

لمحة فنية رائعة من صلاح تسفر عن هدف

GMT 12:21 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

محمد يتيم يعود للكتابة بالدعوة إلى "إصلاح ثقافي عميق"
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya