بويا عمر

بويا عمر!!

المغرب اليوم -

بويا عمر

رشيد مشقاقة

لم أجب صاحبي الإذاعي لمّا سألني عن القدرات العقلية لضيفه، فقد لاحظ ـ أثناء وبعد اللقاء ـ أن الرجل يهذي وتصدر عنه حركات مثل التي نراها بالمَرسْتَان. ووجدتها فرصة كي أقترح على السيد وزير العدل، الأستاذ مصطفى الرميد، بإلحاح إضافة هذا التعديل العاجل لمشروع القانون التنظيمي الخاص بالقضاة: «أن يخضع القاضي في كل سنة قضائية جديدة لفحص طبي عقلي ونفسي، ويجوز ـ عند الاقتضاء ـ أن يباغت به في كل حين، ويستفيد القضاة المتقاعدون من هذا الفحص قيد حَياتِهم».
ذلك، أن خلايا حمقنا إما نشيطة متيقظة أثناء عملنا أو هي نائمة خاملة لا تظهر إلا بعد أن لا نجد شغلا بعد تقاعدنا أو انطفاء الأضواء من حولنا !!
وقد سألني ـ زمنا ـ رجل مسن يصطحب ابنته إلى المحكمة قائلا: «هل هذا مكتب الفقيه فلان»!!
وعندما أخبرته أنه غير موجود، بدا مُتَحَسِّرًا وقال:
ـ «أتَيْتُ من جنوب المغرب، قيل لي إنه يعالج داء البرص بِريقِهِ فأرشدته إلى عنوان سكناه»!!
أما زميله فقد فوجئ أثناء عودته إلى منزل والديه، بشجار بين أفراد أسرته وجيران الحي، فارتدى بذلته الخضراء وجلس بينهم قاضيا، فصفة القاضي ـ كما صرح بها ـ للجنة التفتيش ـ ينبغي أن لا تفارق القاضي سواء بمقر عمله أو بسوق الخضر أو بالحمام البلدي.
ولم يجد ثالثهم ما يشهر به حفل عرسه بالبادية إلا أن يَرْكبَ فرساً أبيض جاب به أطراف المدينة فرحا بزواجه الذي لم ينته على خير!!
هذه الخلايا النشيطة أثناء العمل تظهر في أقوال حاملها وأفعاله، بل وفي أحكامه، فقد وقف قاض أثناء انعقاد الجلسة ونظر إلى رئيسها قائلا:
ـ «لازلت مستمرا، لم يبق على بداية مقابلة الفريق الوطني لكرة القدم سوى بضع دقائق. ثم غادر القاعة جريا!!»
ولازال ذلك القاضي المسكين يتحسس خده من وقع الصفعة التي سكنت بخده بيد زميله لمّا سأله بحسن نية:
ـ «هل رئيس المحكمة موجود»؟ فرد عليه بتلك الصفعة مضيفا: «لِمْ تَسْأل؟ «هل أنت جاسوس»؟
ومضى إلى حال سبيله؟
وقد يتجسد الهذيان في شكل عنتريات وبطولات، مثل ذلك النائب الذي استهل مرافعته بذكر ديباجة الحكم القضائي «باسم جلالة الملك»، وهي عبارة لا تصدر أبدا عن ممثل النيابة العامة، فلو كان بالقانون الأساسي لرجال القضاء نص مثل هذا الذي اقترحه على السيد وزير العدل لعُولِجَ الرجل في ذلك الزمن قبل أن تتفاقم حاله لما هو أسوأ وينذر بالجنون!!
وقد فوجئ المحامي الراحل النقيب عبد الحميد القاسمي بممثل النيابة العامة آنذاك يستهل كلمته بذات الصيغة التي يستهل بها صاحب الجلالة الملك خطابه إلى شعبه فصاح ساخرا: لم أكن أعرف أن لنا سُلطانَانِ في البلاد! فاهتزت قاعة الجلسات من شدة الضحك!
قد يكون تدبر حال حاملي خلايا المَس والوسواس أثناء عملنا يسيرا، فكلما ظهر إحساس بجنون العظمة أو الخرف باغتت اللجنة الطبية العليل وعالجَتهُ، قبل أن تتفاقم الحالة إلى أحكام قضائية غريبة أو ملتمسات مثلها أو خطب عصماء.
من باب الرشد أن يبدأ العمل بالاقتراح من تاريخ الالتحاق بالمعهد العالي للقضاء، ففي طلعة البدر ما يغنيك عن زحل، وقد حار أطر مؤسسة الدرك الملكي أثناء حصة تدريبية للملحقين القضائيين عندما غير الكلب المكلف باكتشاف كيس المخدرات اتجاهه وبدأ يتحسس ملابس أحد المتدربين ليتضح أن بها بقايا حبات «الكيف»، وعاد الكلب إلى وجهته لما أبْعد المتدرب عن المكان!!
إذا كان من باب الحزم أن يتم كيّ خلايا الحمق الظـَّاهِرَةِ النشيطة أثناء فترة العمل ليعافى حاملها، فإن الخلايا النائمة منها لا تظهر إلا أثناء الأزمات الوظيفية أو بعد انتهاء الخدمة، فبقدرة قادر يتحول أصحابها إلى فقهاء ومشرعين ومصلحين، وقد استمع أحدهم إلى نقاش حول إصلاح القطاع، فعادت به الذكرى إلى ذلك المساء الذي فاجأ به المصلح المقدام من حوله قائلا: «لو قدر لي أن أعيد ما كتبت لأسندت جميع الاختصاصات القضائية وغير القضائية لصديقي وزير العدل»!!
السيد الوزير:
«جعل الله إصلاح القضاء على يديك، إذا ما قبلت باقتراحي هذا، فلا شك أن هناك فراغا مّا في فقرات المشروع. إنك سوف تنقذ البعض منا عاملا أو متقاعدا أو فاعلا جمعويا من حالات الجنون والصرع، فهذا مَدْخَل من مداخل إصلاح منظومة العدالة. فمن وجهة نظري أن الحفاظ على استقلال عقل القاضي عن التلف أخطر وأهم من الحفاظ على استقلال النيابة عن وزارة العدل، على أن لي شرط واحد متى قبلت اقتراحي:
ـ أنْ لا تَبْدأ بي أنَا!!»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بويا عمر بويا عمر



GMT 00:02 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

أزمة ثقة بين الإسلاميين والدولة في المغرب

GMT 04:39 2017 الثلاثاء ,25 تموز / يوليو

نكتة ستدخل التاريخ

GMT 03:41 2017 الجمعة ,14 تموز / يوليو

يوم بيوم

GMT 05:05 2017 الثلاثاء ,06 حزيران / يونيو

حتى أنت يا مصيطيفة

GMT 05:13 2017 الجمعة ,26 أيار / مايو

الرميد يفجر لغما كبيرا

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya