الفيلسوف والقاضي

الفيلسوف والقاضي

المغرب اليوم -

الفيلسوف والقاضي

بقلم : رشيد مشقاقة

بين محاكم المملكة اختلاف في تطبيق أحكام مدونة الأسرة، ولم تستطع الغرفة المختصة بمحكمة النقض أن توحد العمل القضائي.
بل إنها شَرَّعت في ما فيه نص صريح مما نَعْتَبِرُهُ خطأ وليس اجتهادا قضائيا. أمّا أسباب هذا القصور الواضح فهي ثلاثة:
1 ـ في مدونة الأسرة عيوب واضحة تحتاج إلى التدخل التشريعي وليس إلى التدخل القضائي، وتولي القضاء إصلاح عيوب التشريع تطاولٌ لا يقبل به الفقه، ويصنفه في عداد التحريف وليس الاجتهاد.
2 ـ في محاولة من القضاء لامتصاص النزيف الذي رفع نسبة التطليق للشقاق، وضدا على التطبيق السليم للقانون، تَفتَّقَ الذهن على حرمان المرأة من بعض مستحقاتها كالمتعة عن طريق إقحام تأويلات خاطئة للنص القرآني والسنة النبوية والاجتهاد الفقهي!
3ـ في تشبث مستميت وغير محمود بأنانية الرأي الخاطئ وصوابه، واعتبار من يخالفه فيلسوفا أو يُقضى بهواه، راكمت الخزانة القضائية عديدا من الحلول التي تشبه مساطر تسوية المقاولة في أفق تصفيتها لاحقا، علما أننا هنا أمام مؤسسة “الزواج” وليس أمام “مقاولة تجارية”!
هذه الأسباب الثلاثة، أمسكت بالتلابيب وحجبت الرؤية السليمة والانفتاح على الآخر، ولأن الفرس متى أقلع من خيمته مائلا لا يثير الاستغراب عند سقوطه، فإن ارتداء الخطأ لباس الاجتهاد القضائي أفرز النتائج السلبية التالية:
1 ـ إغراق محاكم الموضوع بقرارات محكمة النقض التي تحث قضاتها على إجراء البحوث في ما لا يجدي نفعا.
2ـ إحكام الخناق على الأزواج من طرف زوجاتهم بشتى الوسائل، بما فيها غير المشروعة لإجبارهم على طلاقهن أو تطليقهن كي لا يحرمن من حقهن في واجب المتعة، مما خلق ارتباكا اجتماعيا ونفسيا داخل الأسرة وجميع أفرادها بمن فيهم الأبناء!
3ـ إنعاش البدع القضائية لجنوح الزوجين إلى دعوى التعويض، لاسيما طالبة التطليق لتغطية الخسارة الناتجة عن تأويل غير سليم لأحكام المتعة، وفي مشهد هزلي مضحك. تقدم المرأة دعوى التعويض ضمن ملتمسات مقال التطليق للشقاق، فتواجه بطلب التعويض المقابل وهكذا دواليك!
4 ـ تأرجح موقف قضاء الموضوع بين من يقبل على مضض تأويل محكمة النقض لبعض النصوص ضمن مدونة الأسرة، لاسيما في موضوع المتعة خشية مساءلته، وبخاصة إذا تعلق الأمر بالنازلة ذاتها التي يخالف فيها رأي محكمة النقض، وبين من لا يأخذ بما اختلقته محكمة النقض في هذا الباب، وهو ما يؤدي إلى الازدواجية والانتقائية وكلاهما يؤثر سلبا على استقرار المعاملات. ويقلل، بل ويفرغ الاجتهاد القضائي من دوره في مجال توحيد عمل المحاكم!
هذه الإفرازات السلبية ضاعفتها مثيلات لها نتجت عن إضفاء الصبغة النهائية لأحكام المحاكم الابتدائية بما فيها من عيوب وقصور وأخطاء ناتجة أحيانا عن قلة التجربة أو انعدام التكوين بالمرة، والأدهى والأمر أن تُضفى الصفة النهائية على أحكام قضائية تمس جوهر مستجدات مدونة الأسرة كالتطليق، دون أن تتاح الفرصة لا لمحكمة الدرجة الثانية ولا لمحكمة النقض لحسم الأمور، وَرَدِّ الأمُورِ إلى نصابها. وهو ما ينذر بخطر داهم يفقد الأسرة المغربية كينونتها وتماسكها واستمرارها استقبالا!
آن الأوان للتفكير بجدية في إعادة النّظر في مدونة الأسرة، فالنزيف مسترسل. نحن لا نلقي الكلام على عواهنه، ولا نتفلسف، ولا ننطق عن هوى كما يلذ لأحد قضاة محكمة النقض أن يقول عَنَّا بين المسْتَشَارِينَ المُقَررِّين، فأنا أقرأ قراراته وما يجمعه من قرارات في ما يسميه كتابا له رقم إيداع وحقوق طبعه محفوظة، بينما هو مجهود شخصي صرف للمستشارين المقررين، ولو أراد أن نلتقي في برنامج مباشر “وَجْهًا لوجه” لنحسم في من هو الفيلسوف ومن هو القاضي، ومن ينطبق عليه قول الشاعر أبي نواس:
قل لمن يدعي في العلم فلسفة **فهمت شيئا وغابت عنك أشياء
فأنا مستعد!!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفيلسوف والقاضي الفيلسوف والقاضي



GMT 04:53 2017 الأربعاء ,17 أيار / مايو

غَنِّي لِي شْوَيَّ وْخُذْ عينيَّ!

GMT 04:46 2017 الأربعاء ,10 أيار / مايو

السَّمَاوِي!

GMT 05:44 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

شُفْتِنِي وَأَنَا مَيِّت!

GMT 05:01 2017 الأربعاء ,26 إبريل / نيسان

القاضي الشرفي!

GMT 04:55 2017 الأربعاء ,19 إبريل / نيسان

لاَلَّة بِيضَة!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 19:14 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العقرب

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 15:33 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الجوزاء

GMT 19:14 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

جون تيري يكشف مميزات الفرعون المصري تريزيجيه

GMT 17:27 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وضع اللمسات الأخيرة على "فيلم مش هندي" من بطولة خالد حمزاوي

GMT 22:05 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

إليك كل ما تريد معرفته عن PlayStation 5 القادم في 2020

GMT 05:54 2017 الأربعاء ,12 إبريل / نيسان

بسمة بوسيل تظهر بإطلالة العروس في أحدث جلسة تصوير

GMT 09:38 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

خلطات منزلية من نبات الزعتر الغني بالمعادن لتطويل الشعر

GMT 16:41 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

لمحة فنية رائعة من صلاح تسفر عن هدف

GMT 12:21 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

محمد يتيم يعود للكتابة بالدعوة إلى "إصلاح ثقافي عميق"
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya