لا تَتَّبعِ الهَوى

لا تَتَّبعِ الهَوى!

المغرب اليوم -

لا تَتَّبعِ الهَوى

بقلم رشيد مشقاقة

كان الشاعر الساخر أبو دلامة يعلم أن القاضي لن يأخذ بشهادته. وكان القاضي يعلم أنه لن يسلم من لسان الشاعر، وهما معا يخشيان أن تضيع مصلحتهما، فالشاعر مُتَكسّب يسترزق من شهادة الزور وقد وعده غاصب الأرض بجائزة متى شهد له ضد خصمه، والقاضي متهافت تحركه أطماعه ولا يخشى في الظلم لومة لائم، يحرص أن يسمع عنه الخليفة أحسن الأخبار.
في مجلس القضاء قال الشاعر للقاضي: “اسمع ما أقول، ثم اقْضِ بِمَا شئت”:
إِن النَّاس غَطـَّونِي تَغَطَّيتُ عَنْهُمُ
وَإِنْ بَحَثُوا عَنِّي فَفِيهِمْ مَبَاحِثٌ
وَإِنْ حَفَرُوا بِئْرِي حَفرْتُ بِئَارَهُمْ
لِيُعْلَمَ يَوْمًا كَيْفَ تِلْكَ النَّبَائِتُ
ارتجف القاضي، فهو يعلم جيَّداً أن سيرته لا تخفى عن أبي دلامة، لم يستفسره عن سوابقه وصفاء ذمته ولا أمره بأداء يمين الشهادة. واشترى من الغاصب الأرض، ووهبها لخصمه قائلا للشاعر: “أمضيت شهادتك، ولم أبحث عنك، ووهبت أرضي لمن رأيت أرضيت”؟
لمس أبو دلامة هشاشه مناعة القاضي فاخترقها، واستعمل القاضي ما يجنيه من مال ليتقيَّ شر الشاعر. أمّا زميله، فما فتئ وزير الخليفة المعتمد بالله يراوده عنه نفسه قائلا: “إن أمير المؤمنين يأمرك أن ترفع الحجر عن يتيم، فَأُمُّه تشتغل بداره”، ومافتئ القاضي يرد الطلب بعد أن علم بسفه القاصر وغياب رشده. وقد غضب الخليفة من موقف القاضي فكتب إليه: “إنني آمرك أن ترفع الحجر عن فلان”.
لم تلن قناة القاضي، أخذ دواة وورقة، ودفع بها إلى الوزير قائلا: “في هَذَا جواب أمير المؤمنين”. ما كاد يرفع الخليفة عينيه عن الورقة حتى قال لوزيره: “لا تأمر القاضي شيئا”. كان نص خطاب القاضي كالآتي: “بسم الله الرحمن الرحيم، يا داوود، إنا جعلناك خليفة في الأرض، فاحكم بين الناس بالحق، ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله”، صدق الله العظيم.
يقدم لنا التاريخ دفتر الدروس، إن كان البعض منَّا يؤثر مصلحته الفردية، ويخفي مساوئه، ويحرص كل الحرص على تشذيب سلوكه بأي ثمن، ولا يزعجه أن يكسر سلة البيض ليصنع “عجَّة” يأكل منها، ولا يُضيره الأمر أن يُغدق من ماله وعِرضه وحياده واستقلاله لينال الرضى ويستبد بالمنصب، فإن هناك فئة أخرى تخشى خالقها، وتجتهد في ما تعتقده أنه العدل والحق والحياد، ولا تؤذي أحد، ولا تقطع رزق أحد ولا تساهم في ذلك ولو من طرف خفيّ ولا تأكل الثوم بفم أحد، ولا يضيرها أنها على الهامش، وأن الدسائس من حولها في كل حين، وأن مناعة من ينهش لحْمَهَا ويسفك دمها هشة مثل قاضي أبي دلامة، ولكنها تقول مع قاضي المعتمد بالله: “…وَلاَ تَتّبع الهَوَى، فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ الله”، صَدَق الله العظيم.
فلنتعظ!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا تَتَّبعِ الهَوى لا تَتَّبعِ الهَوى



GMT 04:53 2017 الأربعاء ,17 أيار / مايو

غَنِّي لِي شْوَيَّ وْخُذْ عينيَّ!

GMT 04:46 2017 الأربعاء ,10 أيار / مايو

السَّمَاوِي!

GMT 05:44 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

شُفْتِنِي وَأَنَا مَيِّت!

GMT 05:01 2017 الأربعاء ,26 إبريل / نيسان

القاضي الشرفي!

GMT 04:55 2017 الأربعاء ,19 إبريل / نيسان

لاَلَّة بِيضَة!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya