قضاة مرضى

قضاة مرضى

المغرب اليوم -

قضاة مرضى

بقلم : رشيد مشقاقة

زارني بمكتبي قاض متقاعد، اختفت ملامحه عن الزمن الذي كان يفيض فيه جدية وحيوية ونشاطا، أنهكه المرض والعجز وسوء الحظ. قال متأثرا بنبرة اختلطت فيها الدارجة باللغة العربية الفصحى:

ـ “قبل كل شيء، عليكم كجمعيات مهنية أن تولوا صحة القضاة اهتماما كبيرا. المتهافتون يُفَعِّلُون مساطر الرعاية الملكية السامية لفائدة “الدْرابْكِية” و”التْعَارْجية” والجانحين، ولا مكان لرجال القضاء في هذا الباب”.

لم يكن زميلي يهذي، فقد أدمعت عيناي قبل أسبوع عندما شاهدت قاضيا متقاعدا مريضا يقوده طفل، وأخبرني أحد الباعة أنه سقط مغشيا عليه في وضع جد محرج !! ولازال بيننا قضاة منهم من لازال يشتغل ومنهم من أُحيل على التقاعد، يعانون المرض والعجز ويتجرعون آلام العزلة واللامبالاة، ومنهم قاضيات أرامل يعلن أسرهن ولا يتخلفن مطلقا عن حضور جلساتهن ورئاستها!!

أما زملاؤنا فلا يخجل البعض منهم أن ينتظر بباب قصره من يبارك له رجوعه وزوجته من العمرة التي لم يؤد ثمنها مطلقا، ومنهم من جازى الممول والممون بأن أسند له معظم أشغال محكمته، بل ورئاستها نيابة عنه، ومنهم من تسبب في إيقاف قاض مريض وتعطيل أجرته، ومنهم من كتب ظلما بنشره التنقيط أن قاضية مريضة تتناول الكحول!

زملاؤنا ممن يفترض فيهم أن يدافعوا عن القضاء والقضاة يتهافتون نحو المناصب والأسفار والامتيازات.

لم يكن زميلي القاضي يهذي، فالقضاة يصدرون الأحكام باسم جلالة الملك، وظهائره الشريفة لا توقع بالعطف، والملك هو من يرأس مجلسهم، وللقضاء عندنا خصوصية غير متاحة في القوانين الغربية المقارنة، وديننا الإسلامي يؤكد ذلك، فقد أوقف الخليفة عثمان بن عفان مجلسا له لمّا علم أن قاضيا بأرضه مريض وعاده هو ومن معه بمجلسه، ورعاه حسن الرعاية!!

ونحن ضدا على الدستور الذي يرفع شأن القاضي نظريا، وضدا على المواثيق الدولية، لا نُولِي القضاة اهتماما، يتقاعدون برواتب بخسة، ويَحصلُ مُمْتَهِنُو المهام التمثيلية ما يفوق أجرة قضاة الدرجة الاستثنائية، ومن هم مَنْ لا يفقه شيئا.

معظم القضاة غارقون إلى أخماس قدميهم في الديون، ولو طبق القانون بحرفية لَجَرحُوا أنفسهم من البت في القضايا التي تكون فيها الأبناك والمؤسسات المالية طرفا، فهم مدينون لديها!

يقول زميلي القاضي: “أنا فقط، أطلب منكم أن تخلقوا قناة نشيطة يستفيد بمقتضاها القاضي من الرعاية الملكية السامية في حالة مرضه، وأنا أعرف من يسمون أنفسهم فنانين بالقوة وأغناهم الله، لكن مَنْ يحيط بهم يستدر عطف وشآبيب الرحمة من الملك ويستفيد من التطبيب والتمريض وشراء الدواء”.

تحرك زميلي بصعوبة من مقعده، قلت له مؤكدا: “ستعمل الجمعيات المهنية على تفعيل مسطرة الرعاية الملكية لصحة القضاة قياسا على من يستفيد منها، وأهيب بزملائي ممن يعانون المرض والعجز ويلازمون فراشهم أن يراسلوا المنتدى المغربي للقضاة في مَوْقِعِهِ للقيام بالمتعين، وسنتولى بإذن الله إحالة الملف وفق ما يقضيه القانون على جهة الاختصاص. وفي الوقت ذاته، سأخصص هذا العمود لمثل هذه الحالات المرضية لرجال ونساء القضاة الذين أبلوا البلاء الحسن، وسأخصهم بالاسم حتى يطلع على أحوالهم من يطلع ويبادر إلى مساعدتهم”!!

لا يُعْقَلُ أن يحصل مغن مغمور في كل مدينة زعق فيها بأغنيته الوطنية على قطعة أرض أو دعم مالي مهم، والقضاة الذين هم رمز العدالة في هذا البلد، يموتون كمدا وأسفا وحيرة من أمرهم!!

المصدر: جريدة اليوم 24

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قضاة مرضى قضاة مرضى



GMT 04:53 2017 الأربعاء ,17 أيار / مايو

غَنِّي لِي شْوَيَّ وْخُذْ عينيَّ!

GMT 04:46 2017 الأربعاء ,10 أيار / مايو

السَّمَاوِي!

GMT 05:44 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

شُفْتِنِي وَأَنَا مَيِّت!

GMT 05:01 2017 الأربعاء ,26 إبريل / نيسان

القاضي الشرفي!

GMT 04:55 2017 الأربعاء ,19 إبريل / نيسان

لاَلَّة بِيضَة!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 19:14 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العقرب

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 15:33 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الجوزاء

GMT 19:14 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

جون تيري يكشف مميزات الفرعون المصري تريزيجيه

GMT 17:27 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وضع اللمسات الأخيرة على "فيلم مش هندي" من بطولة خالد حمزاوي

GMT 22:05 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

إليك كل ما تريد معرفته عن PlayStation 5 القادم في 2020

GMT 05:54 2017 الأربعاء ,12 إبريل / نيسان

بسمة بوسيل تظهر بإطلالة العروس في أحدث جلسة تصوير

GMT 09:38 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

خلطات منزلية من نبات الزعتر الغني بالمعادن لتطويل الشعر

GMT 16:41 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

لمحة فنية رائعة من صلاح تسفر عن هدف

GMT 12:21 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

محمد يتيم يعود للكتابة بالدعوة إلى "إصلاح ثقافي عميق"
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya