بقلم : رشيد مشقاقة
صدرت التعليمات أن ابتسموا في وجوه الناس، فالابتسامة صدقة، وأولى الناس بها الواقفون على أبواب الإدارة والمؤسسات. وقد نجح الإعلام في تغطية الحدث، فأرخت الابتسامة بظلالها الوارفة:
خرج المصلون من المساجد باسمين ضاحكين بعد أن أصل خطيب الجمعة البسمة بأحاديث الرسول الكريم وسلوك النبي المبتسم سيدنا سليمان.
وانخرط الاجتهاد الفقهي في المسيرة، فأجاب مفتي الإذاعة من سأله، “ما حكم من غادرت الابتسامة وجهه منذ زواجه”، قائلا: “إذا كنت ترى أن طلاقك من زوجتك سوف يعيد البسمة إليك، فافعل. نعم، إن أبغض الحلال عند الله الطلاق، لكن الضرورات تبيح المحظورات”.
وحارت ربات البيوت في تفسير انبساط أسارير أزواجهن دون أن يوفوا بالتزاماتهم، فانتهين إلى أن بهم مس من الجنون!
وفي لقاء تلفزيوني عاصف ردد أحدهم بيتا لإيليا أبي ماضي:
قال السماء كئيبة وتجهما قلت ابتسم يكفي التجهم في السما
فرد عليه خصمه غاضبا:
ضحكنا وكان الضحك منا سفاهة وحق على بني البسيطة أن يبكوا
وأوشك الخصمان أن يتشابكا بالأيدي، فقلب عليهما معد البرنامج الطاولة قائلا:
” يا أمة ضحكت من جهلها الأمم”
وقد أعجب البخلاء بفكرة “البسمة صدقة”، فضحكوا في وجوه المحتاجين، دون أن يمدوهم بسنتيم واحد.
لم يكد ينقضي أسبوع عن بدء سريان التنفيذ حتى بدأت تفد الأخبار السيئة تباعا:
استقبلت أقسام المستعجلات بالمستشفيات عدة حالات اعتداء: منها حالة ساعي البريد الذي فُقئت عينه عندما كان يسلم باسما طردا بريديا إلى ربة بيت، فلكمه زوجها الذي كان يتلصص خلف الباب معتقدا أن الرجل يتحرش بها.
وتلقت موظفة الاستقبال وابلا من السباب والتهديد من أفراد طابور طويل عريض عندما ظلت تبتسم في وجوههم المتعبة، وزاد الطين بِلّة لما التحق بها رئيسها وهو يضحك ملء شدقيه، فارتمى الجمع عليهما ولم ينجوا إلاَّ بأعجوبة.
وحذرت جهة التشريع وتنفيذ قانون الابتسامة والضحك من تمديده إلى بعض القطاعات والفئات، وهي مناسبة عقد على إثرها اجتماع طارئ استثنى من التطبيق مجالين اثنين هما:
*يمنع على أفراد الشرطة الابتسامة والضحك أمام المتظاهرين، فلا يعقل أن يقابل من يزعق ثائرا ببسمة وإلا تفاقم الاحتقان.
* ليس ضروريا أن ينفذ القانون في المجالس التمثيلية، فالابتسامة والضحك شائعان فيهما بالأصالة.
وقد طرأت صعوبة في التنفيذ: إذ إن معظم أبناء الشعب بلا أسنان أو بأسنان مهترئة نخرها السوس، مما أفقد الابتسامة جماليتها ورونقها، إذ يضطر الضاحك إلى إغلاق فمه فيصدر عنه ما هو أقرب إلى الإحساس بالمغص منه بالضحك. وقد ظهر لحماية القانون من الفشل تياران:
*تيار أطباء الأسنان الذين اقترحوا تخفيض تركيب أطقم الأسنان إلى النصف تشجيعا للدولة والمواطن.
* تيار عاب على جهة التشريع الارتجال والعجلة وقال قائله: “هذه هي أزمة التشريع في بلادنا، كان يجب إعداد الأرضية قبل التنفيذ بإصلاح أسنان الشعب المغربي حتى تنسجم مع أهداف المشرع”.
ولم يصمد النقد أمام النجاحات التي حققها المشروع، فقد أصيبت دول المعمور بالذهول وهي ترانا عبر القنوات الفضائية ضاحكين مبتسمين، وتساءلت في ما بينها عن أسباب النزول دون أن تفقه شيئا، وقد وجدها مناصرو المشروع فرصة لإطلاق جائزة أحسن ضحكة بين الشخصيات العامة في هذا البلد. وقد انحصر التنافس بين ثلاث منها، ولازالت لجنة التحكيم تبذل مساعيها لاختيار ضحكة السنة لغاية كتابة هذا المقال!
لازال مسلسل الضحك مستمرا: بين الفينة والأخرى يصدح إشهار تلفزيوني غنائي يقول:
“ابتسموا يرحمكم الله”.
جريدة اليوم 24