بقلم : رشيد مشقاقة
يمكن للقاضي وللجمعية المهنية للقضاة أن يقترحا على المترشحين، الذين سيشاركون في الاستحقاقات الانتخابية ليوم 7 أكتوبر 2016، ما يهم القضاء والقضاة في بلادنا. فقبل دستور 2011 لم يكن ذلك متاحا. أما الآن، فإذا كان القضاة لا ينخرطون في الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية ويحترمون واجب التحفظ واستقلال القضاء، ومادامت المادة الخامسة من مدونة الانتخابات تُجيز للقضاة إمكانية التقييد في اللوائح الانتخابية، فإن لهم الحق في حرية التعبير بِمَا يتلاءم مع واجب التحفظ والأخلاقيات القضائية. هم لا يترشحون، لكنهم يصوتون، والتصويت ليس إجراء تعبديًا، بل يسعى القاضي من خلاله إلى استئصال ما يعتور جسمه القضائي من أدواء. لذلك يقترح المنتدى المغربي للقضاة الباحثين أن يتضمن البرنامج الانتخابي للمترشحين المطالب التالية:
1 ـ إعادة الاعتبار المعنوي الواجب للقضاء والقضاة، باعتباره سلطة قضائية مستقلة محايدة، والحيلولة دون استعمال القاضي أو استغلاله أو تسليعه كي يحتل القضاء في بلادنا المرتبة الدستورية التي نص عليها دستور 2011، وذلك بوضع حد لكل أشكال التأثر والتأثير التي تخدش هذه المرآة النظيفة.
2ـ اعتبار الأجر الأول للقاضي قياسا على الأنظمة القضائية المقارنة.
3 ـ أن يؤدي القضاة اليمين أمام الملك، لأنهم ينطقون الأحكام باسمه. وهي مناسبة ليقف جلالته على مكامن الخلل وسبل إصلاح القطاع بصفة دورية!
4 ـ ترتيب البيت القضائي من الداخل عبر ضمان توفير التدرج الطبيعي لمهام القضاة، ووضع حد للقفز بالمظلات الهوائية في كل حركة أو سكنة تهم الشأن القضائي!
5ـ إيلاء الاهتمام للجانب الجوهري المتصل بصلابة عود القضاة في مجال التكوين والتثقيف والتأطير واختبار القدرات بصفة دورية، في أفق تحقيق الأمن القضائي الذي يخدم مصلحة القضاء في بلادنا، بحيث تضطلع المحاكم بحسب درجتها ومحكمة القانون بدورها، سواء كمحاكم بداية أو محكمة طعن بقضاة ذوي تجربة وحنكة وتمرس وأخلاق قضائية وفق السير الطبيعي للدرجات!
6 ـ نبذ كل أسباب المجاملة والمحاباة والاسترخاص في إسناد المهام القضائية داخل المغرب وخارجه، وفق منهجية منطقية مضبوطة ومتفق عليها، واشتراط إخضاع المترشحين لمناصب أسمى لشروط موضوعية عبر جهة قضائية مشهود لها بالنزاهة والموضوعية.
7ـ إرساء مبدأ التخصص على بناء سليم بمنأى عن الارتجال، واستبعاد كل أسباب التدبير غير الرشيد لسياسة التكوين الإيجابي، مع الحفاظ على وحدة المحكمة الأم باعتماد نظام الغرف المتخصصة!
8 ـ تمكين القضاة من الامتيازات المادية التي يستحقونها بالأصالة، وعدم استئثار جهات تنفيذية غير قضائية بها: أجر، سكن ـ تنقل ـ تعويضات تمريض، تقاعد، وهلم جرا.
9 ـ إعادة النظر في ترقية القاضي واستبعاد ما شابها من الركاكة والتعثر، فالقضاة اليوم بالدرجة الاستثنائية منذ أزيد من عقد من الزمان، فلم يبق هناك مبرر لتعبئة نشرات التنقيط ولا للتحفيز ولا للتشجيع، فالقضاة جامدون في درجتهم!
10 ـ إيلاء الاهتمام الأكثر بصحة القضاة والقاضيات الذين يصابون بالأمراض نتيجة العمل الشاق الذي يقومون عبر توفير الآليات الفعالة والسريعة لتحقيق نتيجة إيجابية، فالقضاة لا يستفيدون من أي امتياز متى أصابهم المرض رغم نبل وجسامة رسالتهم، بينما يحظى غيرهم بذلك!
11 ـ الكف عن عزل القضاة في غير حالات الإخلال المهني الجسيم، وفي الحدود الضيقة وإيجاد صيغة مقبولة لإعادة قضاة الرأي الذين تم عزلهم دون ارتكابهم أي خطأ مهني متصل بدورهم في فض المنازعات، مادامت مسطرة العفو الملكي تتسع لتشمل هذه الحالات التي تضررت منها عائلات هؤلاء القضاة ماديا ومعنويا. “أمهات وآباء وأطفال”.
11 ـ التفكير في إحداث مجلس الدولة لما له من دور فاعل وحيوي في المنظومة القضائية المقارنة، لاسيما وأن هناك دولا أقل منا حظا في التنمية تأخذ بهذا النظام واستبعاد المناقشات العقيمة في هذا الباب!
12 ـ إعادة النظر في القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية في الجوانب التي تم إغفالها أو صيغت بطريقة غير قضائية، مما لم تتحقق معه الغاية من مضامين دستور2011 في باب السلطة القضائية.
13 ـ إعادة الثقة للجسم القضائي، بِحثِّ بعض وسائل الإعلام كي تكف عن الإساءة المجانية للقضاة بدون وجه حق، فهي بذلك تنسف جدارا شاهقا للدولة ألا وهو السلطة القضائية! وذلك بالنص على تدابير أكثر صرامة وجدية في هذا الباب. فلا يجوز لمن لا يفهم في القطاع أن يفتي فيه!
14 ـ اقتراح إسناد مهام رئاسة اللجان التي تهتم بمجال تشريع القوانين للقضاة المتمرسين للحيلولة دون أسباب التعثر والعوار والتكرار التي طفت على العديد من القوانين، لاسيما القوانين التنظيمية المفسرة لأحكام الدستور.
هذه بعض الاقتراحات التي يرى المنتدى المغربي للقضاة أن يتضمنها برنامج المترشحين في الاستحقاقات المقبلة.
إن عجز السياسة التي اتبعت في إصلاح هذا الورش نتج عن الاستماع غير الجيد والتدبير غير الرشيد في ما لا فائدة فيه، والازدواجية والاستبداد بالرأي والتشنج وشخصنة النوازل والضرب تحت الحزام وقلة التجربة، مما لم يتحقق معه الرجاء الذي علق عليه القضاة آمالهم على ضوء الدستور الجديد، ولعل في نسخ كل ما له طابع مزاجي صرف ولا يخدم المصلحة القضائية بأي شكل من الأشكال كفيل بتحقيق المراد.