القانون الصيني

القانون الصيني!

المغرب اليوم -

القانون الصيني

بقلم : رشيد مشقاقة

نحن استسهلنا التشريع، استرخصناه فدفعنا بمن لا يقرأ ولا يفهم لكي يقترح ويوافق ويصفق عليه.
ونسينا أن القانون في ما ينظمه بناء فوقي ينهار إن عاجلا أو آجلا إن كان بدون أساس، فهو أشبه بالسلع الصينية الرديئة التي تملأ أسواق العالم المتخلف!
تقف وراء ازدهار صناعة القوانين الصينية في بلادنا عدة أسباب نذكر منها:
أولاـ الحرص على بلوغ هدف معين محدد سلفا، دون تهييئ الأرض الخصبة للوصول إليه، مثل الفلاح الذي يستعجل نمو البذور بالأسمدة المضرة والأغطية البلاستيكية، فتأتي الخضر والفواكه بلا طعم ولا لون ولا رائحة، وفي قوانين الأسرة والعقار والمهن القضائية وقوانين السير بصمات واضحة لهذا النوع من الزراعة الصينية، تسر الناظر بديباجتها ولا ولن تُؤتي أكلها أبدا!
ثانياـ اشتغال من لا يفقه في أمور التشريع في غير مجاله، فالموظفون مشرعون، والفئة التي تحرص على الاستحواذ على مقعد تمثيلي بدون وجه حق مشرعون، وأطياف المجتمع المدني مشرعون، والنافذون الراغبون في المناصب السامية بشتى الطرق مشرعون، ومن هب وَدَبَّ مشرع، هذا “الكوكتيل” المَخْلُوط إذا انصهر في بوتقة صناعة قوانين دولة مّا، أتى بها عازلة بلا روح، غامضة بلا معنى، قاصرة بلا رشد، تافهة بلا هدف أسمى!
ـ في انكباب من لا صفة له ولا معرفة ولا تجربة على صياغة القانون مَضَارٌّ شَتّى، فالقوانين التي لا يجيد واضعوها فقه اللغة التشريعية يسقطون في الركاكة والتكرار وطول الفقرات وتناقضها وتضاربها. والقوانين التي لا يستحضر المنكب المتهافت على إعدادها كل ما له اتصال بها من قوانين سابقة وأخرى ذات صلة ينعش آفة الازدواجية وزعزعة استقرار المعاملات. والقوانين التي تفتقد إلى المذكرة الإيضاحية وتُذكّر أسباب النزول تصبح أشبه بالرسم التشكيلي الذي يمكن قراءته من أركانه الأربعة، ولا تفهم أسراره سوى اليد التي حملت ريشة رسمه. القوانين من هذه الأقلام كلها هي التي يرتفع بها سنام التضخم التشريعي، فيدخل العمل القضائي والتعديلات الجزئية والمناشير والدوريات والتعليمات، وكل ما يخطر لك على البال على الخط لإنقاذ ما يمكن إنقاذه لإصلاح صيني لوضع مائل بالأساس!
في حياتنا القانونية والقضائية أوضاع وأسماء لنماذج من التشريعات الصينية وصُنَّاعِهِ الصينيين، تدهس صناعتهم المبادئ الأساسية التي درسناها في السنة الأولى من كلية الحقوق، ويتطاولون على مهام لم يسلكوا لبلوغها الترتيب المنطقي والمنتظم. تُبهِرُهُمْ النياشين والألقاب، وتدفع بهم أيدي الرعاية والسخاء والتبني إلى الصفوف الأمامية، وينتهي بنا الأمر إلى ما هو الحال عليه الآن: الهرم التشريعي والقضائي معكوس، يراقب فيه الأدنى عمل الأسمى، ويسوس الجاهل العاقل، وكل في فلك يسبحون.
عندما أفتح القوانين الموضوعية والإجرائية الضاربة في الزمن، وتبهرني الصياغة المحكمة، واللغة القانونية السلسة، وأستغرق في قراءة أسباب نزولها، ثم أفتح الخزانة القضائية وأتَنَسَّمُ عبق التاريخ المجيد من قرارات قضاتها، أشعر بالأسى والكمد والحزن الدفين، فنحن أتحنا الفرصة للمتهافتين كي يفتوا فينا، فلن نصنع لا مشرعا حكيما، ولا قاضيا جيدا، بل فرقا صينية تصنع من النفايات أحيانا ألبسة وأحذية فاقعة، تَسرُّ الناظرين لبعض الوقت!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القانون الصيني القانون الصيني



GMT 04:53 2017 الأربعاء ,17 أيار / مايو

غَنِّي لِي شْوَيَّ وْخُذْ عينيَّ!

GMT 04:46 2017 الأربعاء ,10 أيار / مايو

السَّمَاوِي!

GMT 05:44 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

شُفْتِنِي وَأَنَا مَيِّت!

GMT 05:01 2017 الأربعاء ,26 إبريل / نيسان

القاضي الشرفي!

GMT 04:55 2017 الأربعاء ,19 إبريل / نيسان

لاَلَّة بِيضَة!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya