بوب ديلان

بوب ديلان

المغرب اليوم -

بوب ديلان

بقلم : رشيد مشقاقة

أنت الآن أمام رجل باع ما يملكه وجاب الدنيا. أمام من آثر إبداعه على شخصه، فأثّر في معظم أبناء جيلنا. جيل الستينيات والسبعينيات الذي تتلمذ فكريا ووجدانيا وروحيا على يد عمالقة الفن.
لم يركب بوب ديلان ذقنا اصطناعيا، ولا وضع سبابته وإبهامه على خده، ولم يكن في حاجة إلى أن يرهق دور الترجمة والنشر لتوزيع أعماله. نحن الذين استنجدنا بالقواميس كي ندرك معانيها ونتغنى بها، وعلى ترانيم قيثارته استظهرنا دروسنا.
ليست الموهبة وردا بلاستيكيا ولا صناعة تركيبية ولا عصيرا من مواد كيماوية، هي بنفسجة طموح تنمو في أرض ندية، ولآلئ من كنوز أرض معطاء، وقطوف دانية من أفنان مستمسكة بجذورها.
تقول جائزة نوبل التي حصل عليها الشاعر والرسام والموسيقي بوب ديلان لأولئك الذين أقاموا في غير بلدانهم وسخروا من يترجم ما يحررون ويخرج سينما سيرهم الذاتية أن العالمية أو الكونية جنين يولد في تراب الوطن.
لم يقم نجيب محفوظ بفرنسا ولا إنجلترا ولا أمريكا لينال جائزة نوبل. الذين جابوا “زقاق المدق” و”خان الخليلي” وأبهرهم السي السيد، هم الذين نقلوا الكتاب والكاتب إلى بلدانهم ولم يكن نجيب محفوظ في حاجة إلى أن يسافر ليأخذ صور تذكار الفوز بها، فهي التي جاءت إليه، وهو الذي قال للرسام الكبير جورج بهجوري عندما شاهده يحمل حقيبة السفر خارج أرض الوطن لنشر أعماله: (في بلدك مصر يمكن أن تنشد الكونية).
لم يخرج أسطورة الموسيقى والغناء بوب ديلان عن نهج نجيب محفوظ، منذ أزيد من نصف قرن من الفن، تاريخ حافل من القلق والطموح والأمل، فأنت لا تستطيع مهما حاولت أن تميز بين بوب ديلان الشاعر وبوب ديلان الموسيقي، وبوب ديلان المغني، وبوب ديلان الإنسان. هو “كوكتيل” متجانس متناغم متكامل يشد بعضه بعضا.
أحدث فوز بوب ديلان بالجائزة فوضى ناعمة في ذاكرتي، فنحن جيل قرأنا طه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم وشعراء مدرسة الديوان وجبران وسلامة موسى وأحمد أمين وسيد قطب ومصطفى محمود ومحمد عبده وجمال الدين الأفغاني، وبكينا بلقيس نزار، وحملنا حقيبة سفر محمود درويش، وأشفقنا على مِي زِيّادة. وأحببنا الحب مع أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ وفيروز ووديع الصافي. وأبهرتنا زبيدة ثروت ومديحة يسري وفاتن حمامة.
نحن أيضا جيل قرأ جون بول سارتر وألبير كامي وديدرو وبودلير وجان جاك روسو وفيكتور هيغو وسيمون دي بوفار.
واستمتعنا ببوب ديلان، ودولي بارتن، ودوميس روسوس، وكات ستيفانس، وخوليو، وماري ماتيو، ورقصنا مع جون ترافولتا، وأبهرتنا برجيت باردو، ومارلين مونرو وصوفيا لورين.
في هذا المعين المتماوج نما عودنا واستوى وفتحنا باب الأمل، ولم نخلد لا لليأس ولا للقنوط مهما علا سنام الإحباط.
الذين عابوا على بوب ديلان فوزه بجائزة نوبل وقالوا إن في ذلك انعطافا وإهمالا للأدب الكلاسيكي الجاد شعرا وقصة ورواية ومسرحا، نسوا أن الفن رئة العالم، الفن بلا حدود ولا قيود.
بوب ديلان الذي نحت في قلوبنا معنى شرف الكلمة ونبلها، سحر الموسيقى وجنونها، عذوبة الصوت ونفاذه إلى أعماقنا، هو الذي أبقى على القلم ماردا بين أناملنا، وشدنا إلى رياض المعرفة فكرا وعلما وفنا، فالأوقات الجميلة التي أحياها بوب ديلان فينا بفنه الراقي تشفع له أن يفوز مع الفائزين.
لم تخطئ الأكاديمية السويدية الطريق، فالرجل صوت حقيقي للروح الفنية، صوتنا نحن أبناء ذلك الجيل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بوب ديلان بوب ديلان



GMT 04:53 2017 الأربعاء ,17 أيار / مايو

غَنِّي لِي شْوَيَّ وْخُذْ عينيَّ!

GMT 04:46 2017 الأربعاء ,10 أيار / مايو

السَّمَاوِي!

GMT 05:44 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

شُفْتِنِي وَأَنَا مَيِّت!

GMT 05:01 2017 الأربعاء ,26 إبريل / نيسان

القاضي الشرفي!

GMT 04:55 2017 الأربعاء ,19 إبريل / نيسان

لاَلَّة بِيضَة!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya