بقلم : رشيد مشقاقة
(على هامش انتخابات أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية)
قلت لمجالسي:
ـ لن يشارك المنتدى المغربي للقضاة الباحثين في انتخابات أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية أجاب باستفهام:
ـ كم عددكم؟
عقبت: كنت أنتظر منك هذا السؤال، فنحن حرصنا منذ البدء أن نعيد للقاضي خصوصيته لا أن يصبح رقما انتخابيا، فالعد كما يقول إخواننا المصريون لا يكون إلاّ في “الليمون”. ولذلك لم نتفق مطلقا مع الرأي الذي اشترط لإنشاء جمعية مهنية ما عدداً معينا من المُنْضَوين، لعلمنا المسبق أن هذا الإكراه لا يخدم مصلحة القضاة. ثم لا تنسى أنه كان بإمكاننا منذ تأسيس المنتدى المغربي للقضاة الباحثين أن نجوب البلاد طولا وعرضا ونصل إلى ما نريده بنفس الإكسسوار المألوف!!
ـ إذن، لماذا لن يشاركوا؟
ـ بكل بساطة، لأن المشهد القضائي الحالي هو ذاته الذي أعرفه منذ أربعة عقود، بل لربّما أسوأ من ساَبِقهِ. بريق الأمل الذي خطف الأبصار لهنيهة من الزمن انطفأ فجأة وخلف وراءه ضحايا، واتعظ القضاة من سياسة العصا والجزرة، وأغلبهم يلتفت ذات اليمين وذات الشمال قبل أن يتكلم. وانقسم أصدقاء الأمس، وأعلن عادل إمام عن جولة جديدة لمسرحية “الزعيم” في مختلف ربوع المملكة، ولا تستغرب إذا ما قدمها بشبابيك مقفلة؟ وارتبك المقود عندما خالفنا قول الله عز وجل: “لو كان فيهما آلهة إلاّ الله لَفَسَدَتَا”. صدق الله العظيم.
ـ ما تقوله مجرد احتمال يسقط به الاستدلال، قد تأتي النتائج بعكس ما تتوقع؟
ـ لا، تعلمنا أن تؤدي الأسباب ذاتها إلى النتائج ذاتها. إذا كانت الاقتراحات التي طالبنا بها بخصوص مشروعي القانونين التنظيميين للسلطة القضائية وللقضاة لم تَجِد طريقها للقبول، وإذا كان المجلس الدستوري ـ وهو محكمة دُسْتُورية ـ لم يُعِرْ لها بالا. إذا استبد مبدأ “قلوبنا معك وَسُيُوفُنَا مع معاوية”، واستشرت الغيبة والنميمة وإيثار المصلحة الفرْدِية وَتَسلطَنَ مَبْدَأ التقية، والخوف من المصير في وسطنا القضائي، ففي طلعة البدر ما يغنيك عن زُحَلِ؟ لا أعتقد أن الطريق معبدة لتفعيل ما نؤمن به !!
ـ حدد لي بالضبط ما تراه عائقا يحول دون استكمال شروط انتخابات موضوعية لأعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية؟
ـ بإيجاز، القانون الجديد للتنظيم القضائي لم يدخل بعد إلى حيز التطبيق، وفيه نص يلزم محكمة النقض بعقد جمعية عمومية، ومن خلالها سيعين رئيس الغرفة المدنية الأولى الذي هو عضو دائم بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية؟ فيجب بداية أن يتم ذلك، فمع من سيشتغل الأعضاء المنتخبون إذا بلغنا السرعة القياسية في إعلان نتائجهم، كما أن تعيين الأعضاء غير المنتخبين لازال في علم الغيب! أما كان يستحسن أن يدخل التنظيم القضائي إلى حيز التطبيق، ويعين من يعين! ثم تُجرى الانتخابات إذا كنا قد تعثرنا منذ مُدَّة، فما سِرُّ هذا التسرع؟
أمّا العقبة الكأداء، فهي شخصية القاضي ذاته، ما أراه عيانا وأسمعه خبراً. لا يبشر أننا فعلا تطورنا لما هو أحسن!
ـ هل لك أمثلة في الموضوع؟
ـ عندما كنا نؤسس المنتدى المغربي للقضاة الباحثين، وهو ثاني جمعية مهنية بعد نادي القضاة، حاربنا المسؤول القضائي بالمحكمة حربا شرسة، ومنعنا من عقد الجمع العام، وَحَرَمَنَا من استعمال عدة أشياء، بل زرع الرعب في نفس قاضية حُرّة كُنْتُ أثَرْتُ أن تكون نائبة الرئيس ففرت هاربة، ولم يكتف بذلك، بل ألّب علينا الصدور، وأشياء أخرى لا داعي لذكرها. أمّا أغرب ما حصل، فهو عندما قبلت إحدى القاضيات أن تشارك معنا بحماس مُنْقَطع النظير، لأفاجأ بها يوم غد تعتذر بحرج كبير. وهو ما حصل مع عدة قضاة، بل إن قاض معنا بالمكتب التنفيذي هو أيضا في الأجهزة الرئيسية لجمعية مهنية عتيدة. وكيف تفسر أن يمنعنا مسؤول قضائي من تعليق إعلان ندوة علمية بدون مبرر، لا أريد أن أدخل في التفاصيل فهي جد مُوجِعة. وبعبارة موجزة، فإن تفريخ الجمعيات المهنية بأسماء مختلفة بطريقة “الدجاج الأبيض” لا يخدم المصلحة القضائية بتاتا. لا تنس أيضا، أن هناك قضاة نزهاء أكفاء وشجعان، لَكِنَّهم مركونين على الهامش!
أيقن مجالسي أن الموضوع ذو شجون، وأن الاسترسال فيه سيخرج إلى العلن ما لا يجب الإفصاح عنه، فرد عليّ متأسفا (ضاحكا): “أنا فقط، مشتاق لأسمع جماهير القضاة تصيح: “وحبيبكم مين”؟