بقلم : رشيد مشقاقة
في أفق انتخاب قضاة المجلس الأعلى للسلطة القضائية
شوّش علينا في اللقاء الذي جمع الجمعيات المهنية للقضاة على ضوء انتخاب قضاة المجلس الأعلى للسلطة القضائية بالسيد وزير العدل يوم الاثنين 20 يونيو 2016، عاملان: أولهما ضيق الوقت، فللوزير في نفس الآن واليوم، مواعيد أخرى. لذلك كان السؤال والجواب عن سبب البدء بانتخاب قضاة المجلس الأعلى للسلطة القضائية قبل تعيين رئيس المنتدب على الأقل مقتضبين جدا.
وثانيهما أملاه الحرص الشديد أن يكون الهدف من اللقاء هو تلقي اقتراحاتنا في كيفية سير الانتخابات، مما أضفى على اللقاء صبغة تنفيذية صرفة حالت دون النقاش الجاد.
لو لم يعرقل العاملان أعلاه لقاءنا لقلنا ما يلي:
أولا: كان الأولى أن تُستشار الجمعيات المهنية، ولو على سبيل الاستئناس حول ما إذا كان من الضروري تحديد موعد انتخاب قضاة المجلس الأعلى للسلطة القضائية في أقرب الآجال، أو الانتظار إلى حين تعيين الرئيس المنتدب. فليس عوارا أن يستمر المجلس الأعلى للقضاء في ممارسة صلاحياته خارج زمنه الافتراضي مادام قد وقع في المحظور منذ مدة!
وليس ضروريا أن تتم الانتخابات في ظل هذه الولاية التشريعية إن كان المبرر الموضوعي الاستثنائي حاضرا!
ثانيا: في الدستور نص صريح هو الفصل 116 منه: “يحدد بقانون تنظيمي انتخاب وتنظيم وسير المجلس الأعلى للسلطة القضائية”، وفي القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، الذي دخل إلى حيز التنفيذ وأصبح ملزما للمخاطبين به، مقتضيات مخالفة تماما لما كان عليه الحال في ظل القانون المنظم للمجلس الأعلى للقضاء. وإعمالا لمبدأ تنازع القوانين من حيث الزمان، فإن القانون اللاحق يلغي القانون السابق. والقول بخلاف لذلك لا يربو أن يكون انتظار مولود هجين من عملية قيصرية جد معقدة. فالإشراف والمراقبة وطرق الطعن في نتائج انتخاب أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية نظمها القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية. وليس من التطبيق السليم للقانون أن نعطله.
ثالثا: من يقول بأن السند القانوني يوجد في المادة 178 من الدستور التي ترخص للمجلس الأعلى للقضاء في الاستمرار في ممارسة صلاحياته، إلى أن يتم تنصيب المجلس الأعلى للسلطة القضائية قول غير سليم. فتقنية التشريع وحكمته تقتضي أن تتريث جهة الاختصاص في نشر القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ودخوله إلى حيز التنفيذ، ريثما يتم تعيين أعضائه أو على الأقل رئيسه المنتدب، بعدها تُجرى أول انتخابات في العهد الجديد بمقتضى دستور 2011 والقانون التنظيمي الجديد، وليس وفق “خلطة” غير متجانسة من القوانين.
رابعا: رب سائل عن الغاية من كل هذا؟ الجواب بسيط:
الآن، وبنص الدستور وبمقتضى القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية انتقلت الاختصاصات الخاصة بالقضاة إلى الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئيس النيابة العامة عند الاقتضاء. والقانونان معا دخلا حيز التنفيذ، ولا يجوز تعطيلهما، بل إن من الصواب والحكمة والمنطق أن نُفعِّل مستجداتهما في أول تجربة ميدانية يعرفها قضاؤنا. فبمقتضى القانونيين أعلاه، فلا صفة لغير من نص عليه في تدبير هذه المرحلة.
خامسا: يصعب القول بأننا فعّلنا مقتضيات الدستور والقانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية والقانون التنظيمي للقضاة المطبقين حاليا على عملية انتخاب القضاة، والحال أننا نعود بها تدبيرا وإشرافا ومراقبة وطعنا إلى مقتضيات أصبحت بقوة القانون ملغاة، فما الذي كان سيضر لو أننا تريثنا لحين من الوقت ريثما تتم مسطرة تعيين أشخاص المادة 115 من الدستور وكذا مقتضيات القانون التنظيمي، وتتم العملية الانتخابية وفقهما.
سادسا: لا يجوز قانونا تعطيل أحكام الدستور والقانونين التنظيميين أعلاه، بقولنا إن شكليات مسطرة تعيين أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية تقتضي تنظيميا البدء بانتخاب قضاة المجلس. فمثل هذا القول يضعنا أمام مفارقة غير محمودة. فئة أُعمل بشأنها القانون القديم، وفئة أخرى طُبق عليها القانون الجديد.
سابعا: أمّا أهمية طرح السؤال، فتكمن في أنه متى تمت الانتخابات من ألفها إلى يائها في إطار قضائي صرف، وجرى دم جديد في الأعضاء المعينين الجدد، وأعملت المقتضيات الجديدة بدل قانون انتهت صلاحيته، ضمنا من الشفافية والحياد وانعدام التأثير والتأثر ما يمكن معه القول إننا نسير في الطريق السليم، ولا نقدم العربة على الحصان كما نُعاينه حاليا!