أعراس الأغنياء و«النكّافة» السياسية

أعراس الأغنياء.. و«النكّافة» السياسية

المغرب اليوم -

أعراس الأغنياء و«النكّافة» السياسية

عبدالله الدامون

زواج الفقراء يشبه زواج الأغنياء في شيء واحد، وهو أن جميع المدعوين إلى العرس يشبعون.. تقريبا، أما ما عدا ذلك فلا شيء يوحّد بين أعراس «الألبّة» وأعراس البسطاء.
الإنسان البسيط عادة ما يتزوج بدون تفكير طويل، وإذا طال به التفكير فإن سبب ذلك يكون هو المال فقط، أي كيف يؤدي المهر ويشتري البقرة ويصرف أتعاب «الدّقايقية» وعشاء الضيوف؛ أما الغني فلا يأبه لشيء اسمه مصروف العرس، فالمصروف الحقيقي بالنسبة إليه هو المصروف الذي يأتي بعد العرس، وهذه هي الأعراس التي تسمى الأعراس السياسية أو الأعراس الاقتصادية. لا مجال للحديث عن أعراس البسطاء لأن الجميع يعرف طبيعتها.. أعراس غالبا ما تنتهي بكثير من القروض، وفي أسوإ الحالات يتعارك أهل العروس وأهل العريس على حبل البقرة.. هي أعراس تبقى في الصور وأشرطة الفيديو أكثر مما تبقى في الذاكرة.
أما أعراس الأغنياء فمختلفة تماما.. فيها تحضر وجوه النعمة ويؤثثها رجال الأعمال والوزراء والفنانون والسياسيون من كل الأطياف. أعراس الأغنياء تفعل أكثر مما يفعله البرلمان، إنها تجمع أحزابا سياسية كثيرة على مائدة واحدة، بينما في البرلمان تتفرق مثل أولاد الدرب المتنافرين. في أعراس الأغنياء، لا أحد يتحدث عن مصاريف العرس بقدرما يدور الحديث عن النتائج الاقتصادية والسياسية للعرس، فرجل الأعمال لا يمكن أن يزوج ابنه أي فتاة، والسياسي المحترف لا يزوج ابنته لمن هب ودب، فأبناء السياسيين والاقتصاديين يشبهون تلك العملات الخشبية المزركشة المتداولة في موائد القمار.. إنها مجرد أخشاب، لكنها تساوي الكثير. في الأعراس العادية، تزغرد «النكّافة» حين ترى أن كل الأمور قد جرت بخير وعلى خير وأن العريس لم تخنه فحولته في امتحان إراقة دم عروسه؛ أما في أعراس الأغنياء فلا أحد يأبه لهذه التقاليد البائدة، لأن النكّافة الحقيقية في أعراس الأغنياء هي التي تزغرد عندما تظهر الفحولة السياسية والاقتصادية للعرس وتحلق الأرقام في البورصة.
في أعراس البسطاء، عادة ما يجتمع عريس «درويش» مع عروس «درويشة»، فترتاح البشرية من أنين عازبين بئيسين؛ أما في أعراس الأغنياء، فإن الأرقام والمصالح هي التي تتزوج حتى يصبح أنين البشرية أكبر. أغلب أعراس الأغنياء في المغرب هي مجرد تحالفات سياسية واقتصادية، وهذا غير مقتصر على المغرب فقط، بل عمدت إليه كل العائلات القوية في العالم منذ بدء الخليقة. لكن المشكلة في المغرب هي أن أغنياء كثيرين يظهرون فجأة وبدون سابق إنذار، فلا أحد يعرف من أين جاؤوا بكل تلك الثروات؛ وعددٌ من هذه العائلات يعمد إلى البحث عن مصاهرات مع عائلات قديمة في الغنى والنفوذ من أجل تبييض تاريخها وثرواتها.
هناك عائلات غنية في المغرب ظهرت كما تظهر فقاعات الوادي، تنهب المال العام بحماس أو تحصل على امتيازات بلا عدّ، فتستولي على ما تشاء في البر والبحر أو تتاجر في الثروة الوطنية الكتامية، وبعد ذلك تبدأ في محاولات تبييض السيرة، فلا فرق بين تبييض أموال المخدرات وتبييض سيرة العائلات. في تاريخ المغرب، مرت مجاعات رهيبة أهلكت الحرث والنسل، فكان الناس لا يجدون ما يأكلونه غير جذور النباتات، وكان الحصول على ديك ودجاجتين بمثابة ثروة كبيرة، لكن هذه الفترات الحالكة لم تكن تخلو من أعراس أسطورية بين الأسر المتنفذة التي تقيم حفلاتها بطريقة فرعونية يهرق فيها المأكل والمشرب على حواف القصور. ها نحن اليوم لانزال نفاجأ بالبرد يفتك بأطفال مغاربة بؤساء في أقاصي الجبال لأنهم لم يجدوا ملاحف ومعاطف دافئة يتدثرون بها وسط الثلوج، وفي الفترة نفسها نسمع عن أعراس أسطورية يُصرف في ليلتها الواحدة ما يكفي لتغطية القطب الشمالي كله بـ»البطّانيات».
في المغرب حزازات جهوية وقبلية كثيرة، وعادة ما يتزوج بسطاء سواسة والعروبية وجبالة وصحراوة في ما بينهم، لكن الأغنياء عادة ما يبحثون عن مصاهرات خارج قبيلة الدم، لأن قبيلة الغني هي المال، لذلك نسمع عن أعراس كبرى لزواج سوسي بفاسية، أو جبلي بصحراوية، أو فاسي بريفية، مثلما حدث قبل زمن حين تصاهرت عائلة عثمان بنجلون الفاسية بابنة المارشال الريفي محمد أمزيان.
في أعراس البسطاء لم تعد «النكّافة» موجودة إلا نادرا، لقد انتقلت نهائيا للاشتغال في أعراس الأغنياء لكي تزغرد بمناسبة فض بكارة الثروات وتحطيم حواجز المليارات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أعراس الأغنياء و«النكّافة» السياسية أعراس الأغنياء و«النكّافة» السياسية



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 19:14 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العقرب

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 15:33 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الجوزاء

GMT 19:14 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

جون تيري يكشف مميزات الفرعون المصري تريزيجيه

GMT 17:27 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وضع اللمسات الأخيرة على "فيلم مش هندي" من بطولة خالد حمزاوي

GMT 22:05 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

إليك كل ما تريد معرفته عن PlayStation 5 القادم في 2020

GMT 05:54 2017 الأربعاء ,12 إبريل / نيسان

بسمة بوسيل تظهر بإطلالة العروس في أحدث جلسة تصوير

GMT 09:38 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

خلطات منزلية من نبات الزعتر الغني بالمعادن لتطويل الشعر

GMT 16:41 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

لمحة فنية رائعة من صلاح تسفر عن هدف

GMT 12:21 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

محمد يتيم يعود للكتابة بالدعوة إلى "إصلاح ثقافي عميق"
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya