“أم الدنيا” أم “ثكلى الحرية”

“أم الدنيا” أم “ثكلى الحرية”؟

المغرب اليوم -

“أم الدنيا” أم “ثكلى الحرية”

بقلم - جمال بودومة

تسابق عبدالفتاح السيسي مع نفسه وفاز بولاية رئاسية جديدة. كي نكون دقيقين، لم يتنافس الماريشال مع نفسه، بل كان معه مرشح آخر، لكنه بدل أن يحشد الناخبين لصالحه دعاهم إلى التصويت على غريمه، في موقف مازال يحير المراقبين والمحللين وعلماء السياسة، الذين لم يسبق لهم أن شهدوا مثله منذ اختراع النظام الانتخابي في عهد الإغريق. أحفاد الفراعنة رواد في كل شيء، حتى في هذه تفوقوا على العالم بأسره، مثلما تفوقوا في علاج مرض “السيدا” بواسطة اللحم المفروم. “الكفتة” التي كنّا نشاهدها مع “الكباب” في الأفلام والمسلسلات، باتت تستعمل لعلاج مرض المناعة المكتسبة، في بلد فقد مناعته الفكرية على نحو درامي، منذ عودة العسكر إلى سدة الحكم، على جثث “الإخوان المسلمين”!
المصريون شعب مدهش. قبل سبع سنوات أبهروا العالم حين نزلوا بالملايين إلى “ميدان التحرير” يُطالبون برحيل حسني مبارك، قبل أن يفاجئوننا بإسقاط الرئيس الذي خرج من صناديق الاقتراع، ووضع البلد تحت “جزمة” عسكري أكثر دموية من السابق. كأن ثورة يناير لم تكن إلا “كاميرا خفية”، سقط ضحيتها شعب بأكمله. التحرك الشعبي الهائل الذي “أسقط النظام”، لم يكن أكثر من “انقلاب عسكري”. وزير الدفاع أطاح بالرئيس المدني المنتخب، ونصب نفسه حاكما مطلقا، كما يحدث في كل البلدان المتخلفة!
مائة مليون مواطن تحت حذاء عسكري. طوال أيّام الاقتراع، لم يتوقف رجال السلطة عن ترهيب المصريين البسطاء، كي يذهبوا للتصويت على المرشح، الفائز أصلا دون حاجة إلى أي صوت. وفي الوقت الذي كان فيه الإعلام المصري يتحدث عن طوابير طويلة أمام الصناديق، لم يكن المراسلون الأجانب يرون أحدا أمام مراكز التصويت. حتى إن عادل إمام ظهر في فيديو بأحد المكاتب يضع ظرفا في الصندوق ويسأل المراقب ساخرا: “هوما الناس راحوا فين؟”
شر البلية ما يُضحك. دون الحديث عن نسبة الأصوات التي فاز بها السيسي، يكفي أن تتأمل مشاهد الرقص والفرحة والحبور التي نقلتها وسائل الإعلام المصرية، كي تعرف أن “المحروسة” عاشت “عرسا” انتخابيا حقيقيا. المشكلة أن العروس مغلوبة على أمرها وتتعرض للاغتصاب منذ أربع سنوات، وتلك حكاية أخرى!
من يرفض المشاركة في المهزلة، عليه أن يختار بين السجن والمنفى. كل الأصوات المعارضة أسكتت. الثوار الذين ساهموا في إسقاط حكم “الإخوان” ذهبوا ضحية سذاجتهم. الغريب أن مثقفين على قدر محترم من النباهة، مثل علاء الأسواني، وسياسيين محنكين، مثل محمد البرادعي، وإعلاميين مرموقين، مثل باسم يوسف، انطلت عليهم الحيلة، واستعملهم العسكر كحطب في محرقة “الإخوان”!
“أم الدنيا” أم “ثكلى العواصم”؟ مصر بلد التناقضات. رائدة في كل شيء. عندما كانت العواصم العربية غارقة في التخلف والظلام والاستعمار، كانت القاهرة تنتج الفكر والأدب والجمال والأنوار والثورة. منها خرج طه حسين وروز اليوسف ويوسف وهبي ونجيب محفوظ وأم كلثوم وَعَبَد الوهاب ويوسف شاهين وفاتن حمامة وعمر الشريف وَأحمد عرابي وعَبَد الناصر… ومنها خرج حسن البنّا وسيد قطب وأيمن الظواهري ومحمد عطا… وفيها ظهر “الإسلام السياسي”، الذي تحول إلى سرطان ينتقل بـ”الميتازتاز” (Metastasis) داخل هذا الجسد العربي المنهوك. المصريون هم من أبدع “ثورة” 25 يناير و”تمرد” 30 يونيو، انتخبوا رئيسا مدنيا وأسقطوه كي يسلموا البلد إلى عسكري. شعب يعشق التزحلق من القمة إلى الحضيض!
عندما ذهبت للقاهرة أول مرة، أيام حسني مبارك، أكثر شيء أثارني بعد الفقر الذي يتجول في الوجوه والشوارع، أن غالبية النساء محجبات وأنهم يسألونك دائما إن كنت مسلما، قبل أن يسترسلوا في الوعظ وشتم الكفار. كنا في مثل هذه الأيام، التي تتميز باحتفالات “شم النسيم”، حيث يحتفل الناس ببدايات الربيع من خلال الخروج إلى الحدائق والمنتزهات كي يتفسحوا ويأكلوا “الفسيخ”، وهو “الگديد ديال الحوت”. أذكر أن سائق التاكسي سألنا إن كنا مسلمين وعندما قلنا له نعم، تحرر لسانه وبدأ يعبر عن كل مشاعر العداء التي يكن لمن يأكلون “الفسيخ”، ليس بسبب رائحته القوية، بل لأن الاحتفال بـ”شم النسيم” حرام لأنه من أعياد المسيحيين!
عندما نعود إلى النصف الأول من القرن الماضي، ونشاهد كيف كانت “أم الدنيا”، لا نكاد نصدق. عرب ويونانيون وإيطاليون وأتراك وشركس وشاميون ويهود ومسيحيون ومسلمون… يعيشون في بلد واحد، دون أن يسأل أحد أحدا عن أصله أو دينه أو هويته. أين ذهب الشعب المتحضر الذي يتنفس الفن والأدب والفكر والتسامح والحريّة؟ أين اختفت مصر؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

“أم الدنيا” أم “ثكلى الحرية” “أم الدنيا” أم “ثكلى الحرية”



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين

GMT 20:47 2018 السبت ,08 كانون الأول / ديسمبر

"الوطني للسكك الحديدية "يعلن عن تخفيضات في تذاكر القطار

GMT 10:42 2018 الثلاثاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

حركة إعفاءات وتغييرات جديدة في صفوف الدرك الملكي

GMT 02:26 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

ورق جدران بألوان جذابة لديكورات غرف معيشة مبهجة

GMT 22:03 2018 الإثنين ,06 آب / أغسطس

صعقة كهربائية تودي بحياة شاب في سلوان
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya