للبيت ربّ يحميه

للبيت ربّ يحميه!

المغرب اليوم -

للبيت ربّ يحميه

بقلم : جمال بودومة

قليلون كانوا يعرفون أن الشاب الثوري القديم، الذي نسميه “أوطم”، يملك منزلا في حي الليمون بالرباط، طُرد منه قبل خمسة وثلاثين عاما، كما يطرد المراهق المتمرد من بيت العائلة!
لولا عزم الحكومة إلحاق مقر “الاتحاد الوطني لطلبة المغرب” بوزارة الشباب والرياضة لما انتبهنا لذلك، ولو كنا نعرف أيام كنا طلابا حانقين، لما ترددنا في إنزال ضخم من كل الجامعات المغربية لنحرر مقر منظمتنا الأسطورية من قبضة “النظام اللاشعبي اللاوطني اللاديمقراطي”، وهو اسم “الدلع” الذي كنا نطلقه على “المخزن” خلال سنوات الثورة، التي حاولت القفز مرارا خارج أسوار الجامعة، لكنها تعثرت وتكسرت أضلاعُها وأحلامُ جيل كامل من الراديكاليين.
في تلك السنوات المجنونة، كنّا مشغولين بما يحدث في فلسطين وأفغانستان وكوبا الأبية وبمواجهة “الزحف الظلامي” على “الحرم الجامعي”، أكثر من انشغالنا ببناية شمّعتها السلطات في ظروف غامضة، بعد أن “فشل” المؤتمر17 لـ”الاتحاد الوطني لطلبة المغرب” عام 1981، أو تم “إفشاله” كي لا نغضب أيا من المعسكرين اللذين أمضيا سنوات محترمة وهما يتناقشان ويتهارشان في أشهر “جدل بيزنطي” شهدته الجامعة المغربية لأكثر من ثلاثة عقود، ومازلنا، ونحن في نهاية 2016، لا نعرف بالضبط لماذا أخفق آخر مؤتمرات “أوطم” في انتخاب أجهزته، وأعتقد أننا عندما نعرف أيهما الأسبق، البيضة أم الدجاجة، سنعرف أي الطرفين كان على حق، القاعديون أم الاتحاديون!
وعلى ذكر الفشل والإفشال، لا أظن أن هذه القضية المسجلة باسم عبدالإله بنكيران تحمل فأل خير عليه، النحس يعدي، والخشية أن يكون مآل الحكومة التي يحاول تشكيلها، دون نجاح يذكر، مثل مصير المؤتمر 17 لـ”الاتحاد الوطني لطلبة المغرب”، بالعربية تاعرابت، “نخافوه يبقى حاضي أوطم حتى يديرو ليه نوض نوض”، ونظل نتساءل طيلة السنوات المقبلة عن حكومة بنكيران الثالثة: هل فشلت أم أُفشِلت؟

عندما كنّا في الجامعة، لم ننظم إنزالا في حي الليمون لأننا لم نكن نعرف أن فيه بيت “أوطم”، لكننا نعرف اليوم أن رئيس الحكومة لجأ إلى القضاء كي يستكمل إجراءات مصادرة المقر ويلحقه بوزارة الشباب، ونعرف أن المحكمة الابتدائية في الرباط عقدت عدة جلسات استدعت في آخرها محمد بوبكري، شافاه الله، باعتباره آخر رئيس للمنظمة الطلابية، كي تمنح غطاءً قانونيا للمصادرة، والمفارقة أن الاستدعاء جرى في الوقت الذي كان فيه الرجل يجتاز محنة صحية عصيبة، وما إن تجاوزها حتى أصدر بيانا يدعو فيه إلى الدفاع بكل الوسائل عن المقر، ويضم صوته إلى الداعين إلى مسيرة وطنية بالرباط في الـ25 من الشهر الجاري، من أجل تخليد الذكرى 60 لتأسيس “الاتحاد الوطني لطلبة المغرب”. لحسن الحظ أن “للبيت ربا يحميه”، ومصادرة المقر لن تمر بالسهولة التي توقعها من سال لعابهم على 1500 متر مربع وسط العاصمة، بفضل الجبهة العريضة التي تشكلت من محامين متطوعين ومنظمات حقوقية ومدنية والتي تسعى إلى إمساك الحكومة من معصمها قبل أن تضع اليد على هذا الإرث النضالي الثمين، الذي يعتبر ملكا لكل من بُحّت حناجرهم وهم يهتفون باسم الحرية في ساحات الجامعة، طوال ستين عاما.
وليس عندي شك أننا جميعا معنيون بمسيرة 25 دجنبر، لأن “أوطم” ليست مجرد نقابة طلابية، بل هي ذاكرة نضالية لأجيال من المغاربة، ومدرسة للمبادئ والقناعات والالتزام، تخرج منها آلاف الأطر، بعضهم تبوأ أرفع المناصب في الدولة.
في هذه اللحظة الحرجة التي يمر منها التعليم العمومي بالمغرب، من واجب كل الغيورين على مستقبل البلاد أن ينضموا إلى هذه المعركة الرمزية من أجل التصدي لمن يريدون طمس آخر معالم تجربة فريدة في التاريخ السياسي المغربي. من العيب أن نتركهم يجهزون على مقر منظمة تختزل نضال الشباب المغربي في صوره الأكثر إشراقا، كي يدشنوا مكانها دار شباب تافهة، من العار أن يتحول المكان الذي احتضن أسخن النقاشات السياسية في تاريخ المغرب إلى فضاء يحتضن مباريات في الشطرنج وكرة الطاولة وصُبحيات باهتة يغني فيها الأطفال: “في البستان زهر جميل”… وما شابهها من الأناشيد البليدة!

جريدة اليوم 24

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

للبيت ربّ يحميه للبيت ربّ يحميه



GMT 16:20 2020 الخميس ,30 كانون الثاني / يناير

سعيد في المدرسة

GMT 11:52 2020 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

تيفيناغ ليس قرآنا!

GMT 14:26 2019 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

«بيعة» و «شرية» !

GMT 05:27 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

«لا يُمْكن»!

GMT 03:32 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

!الوهم الأبیض

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:14 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج القوس

GMT 15:51 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج العذراء

GMT 11:04 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج العذراء

GMT 00:58 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

دراسة تحدّد الأطفال الأكثر عرضة لخطر السكري من النوع الثاني

GMT 19:55 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

رشيد دلال مساعدا للكيسر في تدريب أولمبيك آسفي

GMT 05:10 2016 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تستضيف أعمال الفن العربي الحديث في متاحفها

GMT 07:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

غوايدو يدعو الفنزويليين للاحتجاجات ضد مادورو

GMT 17:50 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وهبي يراسل وزير الصحة بشأن غياب دواء مرضى السرطان
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya