«دمت مائزا أيها الحميم»

«دمت مائزا أيها الحميم!»

المغرب اليوم -

«دمت مائزا أيها الحميم»

بقلم - جمال بودومة

بعد غد الخميس، يحل اليوم العالمي للشعر، وأعتقد أن جميع المغاربة مطالبون بالاحتفال به كما يحتفلون بعيد العرش أو عيد المسيرة أو أي مناسبة وطنية أخرى، لأن اليونسكو أقرته، قبل عشرين سنة، بناء على رسالة توصلت بها من «بيت الشعر في المغرب» نهاية القرن الماضي، بدعم من عبدالرحمان اليوسفي، الوزير الأول وقتها، الذي أخفق في تحقيق الانتقال الديمقراطي، لكنه نجح في إضافة احتفال سنوي إلى أجندة المغاربة. فشل في «الديمقراطية» ونجح في «عيد العرش»!

هناك كثير من الأوهام في عالم الشعر، وغير قليل من التنطع والسخافة، وعدد لا يستهان به من التافهين والتافهات. ولا يضحكني إلا أولئك الذين يريدون الحصول على الشهرة عبر القصيدة في زمن «إكشوان إنوان» و»نيبا» و»ساري كول». لو كان نزار قباني على قيد الحياة لترك الشعر وتفرغ لنشر صوره على فيسبوك وتويتر وأنستگرام…

كتبنا الشعر لأننا كنا نشعر بالملل، ولم يكن لدينا شيء آخر نفعله. في تلك المرحلة المبكرة من العمر، كان لا بد أن نعبّر عن الأشياء التي في أعماقنا كي لا نصاب بالجنون، خصوصا نحن أبناء «المدن السفلى»، كما سمّاها عبدالله راجع، أحد الذين جعلونا نتورط في الأوهام، قبل أن يرحل تاركا صرخة جميلة في وجه الرداءة: «سلاما وليشربوا البحار». كلما قرأنا ديوانا، ازداد إيماننا بأننا على الطريق الصحيح، قبل أن نكتشف أننا تورطنا في الخسارة، بعد فوات الأوان.

القصة طويلة والرواية معقدة وتحتاج إلى شخصيات وأحداث، ولا شيء يحدث في المدن الميتة، لذلك استسلمنا لسهولة رص الكلمات جنبا إلى جنب في غموض يستدعي الفضول، عرفنا أنهم يسمونه «قصيدة» وأن من يصفف كلماته على ذلك النحو يسمى «شاعرا». بكل بساطة.

كتبنا الشعر لأننا ولدنا قبل فيسبوك ويوتوب وأسنتگرام. كانت الوسيلة الوحيدة للتواصل مع العالم هي الإذاعة والتلفزيون، الذي يبدأ في السادسة وينتهي في منتصف الليل،  بآيات بينات من الذكر الحكيم. كان في الإذاعة الوطنية برنامج مخصص للشعر اسمه «مع ناشئة الأدب»، يقدمه وجيه فهمي صلاح. اسمه ثلاثي وأنيق، لا يمكن أن يحمله إلا شاعر، ليس مثل أسمائنا التي لا تصلح إلا للفلاحين وحراس السيارات وبائعي الحشيش. كان الراحل فلسطينيا، ويكفي وقتها أن تكون كذلك كي تعتبر شاعرا لا يشق له غبار، لأسباب مرتبطة بـ»القضية» ومحمود درويش وسميح القاسم. كان الباحثون عن مكان في عالم الشعر يرسلون قصائدهم إلى وجيه فهمي صلاح، الذي يختار ما يوافق قريحته كل ثلاثاء، ويرتله على أسماعنا، بصوته الجهوري الآسر، الذي يجعلك تعتقد أن الشعر موجود في الحنجرة.

كتبنا خربشات وأرسلناها للجرائد، وعندما نشرت في صفحات الشباب نفشنا صدورنا مثل طواويس. كانت «الاتحاد الاشتراكي» هي فيسبوك و»العلم» هي تويتر، وكنا ننشر أوهامنا الأولى هناك، ونعتقد أن نزار قباني ومحمود درويش وأحمد مطر، لن تقوم لهم قائمة بعد اليوم. فيما بعد، أصبحنا نرسل أشعارنا إلى مجلات في الخليج ونحصل على مكافآت مالية. مائة دولار مقابل قصيدة واحدة. مبلغ محترم في تلك التسعينيات العجاف. أصبحنا نكتب «الشعر التكسبي». ندبج القصائد كي نربح النقود وقلوب النساء.

في نهاية القرن الماضي كان الشعر في المغرب أكثر انتشارا من الزكام، والشعراء الذين يعتصمون في المهرجانات أكثر  من العاطلين الذين يعتصمون أمام البرلمان، ولأنهم كانوا يحسون بشعور قديم بالتشرد فقد بنوا بيتا، سلموا مفاتيحه لمحمد بنيس: بيت الشعر.

كان صاحب «نهر بين جنازتين» يحظى بالإعجاب والتقدير والغيرة والحسد، لأنه رفع راية الشعر عاليا، وصنع اسما يضاهي ألمع الأسماء المشرقية، عندما يجري الحديث عن الشعر الحديث يكون اسمه ثالثا بعد درويش وأدونيس، كما أن صاحب «كتاب الحب» ظل يفتخر بأصوله الأندلسية وأفقه المتوسطي، نكاية بالشرق.

كان المغرب بالأبيض والأسود والاتحاديون يسيطرون على المشهد الثقافي، من خلال شبكة من الجمعيات الثقافية على رأسها «اتحاد كتاب المغرب»، وعبر «الملحق الثقافي» لجريدة «الاتحاد الاشتراكي»، الذي كان يصنع الأصنام ويحطمها متى أراد. ولأنه استطاع أن يكرس اسمه بعيدا عنهم، كان الكتاب الاتحاديون يكرهون صاحب «مواسم الشرق»، كما يكرهون «موسم أصيلا»، لأنه أصبح مهرجانا ناجحا، يستقطب نخبة متنورة ومبدعين لامعين، دون أن يكون لهم يد فيه. الحقيقة أن بنيس نجح في توحيدهم ضده بعدما أصدر بحثه الجامعي حول «ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب»، تحت إشراف عبدالكبير الخطيبي، حيث جمع كل الشعراء الاتحاديين الذين سبقوه، ورش عليهم زخات مكثفة من المبيدات الحشرية، باسم لوسيان گولدمان والبنيوية التكوينية. كان مؤلف «الحداثة المعطوبة» يعتبر نفسه ماركسيا ويرى أن الشعراء الاتحاديين مجرد بورجوازيين صغار، متذبذبين وبلا وعي نظري، لذلك تهيمن على ما يكتبون بنية «السقوط والانتظار»، داعيا إلى الكتابة تحت بنية جديدة سمّاها «الجرأة المواجهة»… وكان الاتحاديون يقولون إن في رأس بنيس «قيسارية»، رغم أن كل واحد منهم يتمنى لو يملك مفتاحا لمحل صغير في القيسارية إياها.

في 1999 بعث بنيس رسالة إلى اليونيسكو باسم «بيت الشعر» ليقر يوما عالميا للشعر، ودعمه عبدالرحمان اليوسفي، وتحققت «المعجزة» وأصبح للشعر يوم عالمي.

الحقيقة أنه منذ أن بُنيت للشعر دورٌ وبيوت ومنازل، انهارت القصيدة. كثر الشعراء وقل الشعر. الإبداع عموما أفلس منذ أصبح الكتاب يقولون لبعضهم البعض: «دمت مائزا أيها الحميم»!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«دمت مائزا أيها الحميم» «دمت مائزا أيها الحميم»



GMT 15:02 2020 الأحد ,09 شباط / فبراير

أنصار اسرائيل في اميركا يهاجمون المسلمين

GMT 16:11 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

من يفوز بالرئاسة الاميركية هذه المرة

GMT 17:21 2020 الجمعة ,07 شباط / فبراير

ايران وحادث الطائرة الاوكرانية

GMT 14:46 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

من دونالد ترامب الى اسرائيل

GMT 17:46 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخبار مهمة للقارئ العربي - ٢

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 19:14 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العقرب

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 15:33 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الجوزاء

GMT 19:14 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

جون تيري يكشف مميزات الفرعون المصري تريزيجيه

GMT 17:27 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وضع اللمسات الأخيرة على "فيلم مش هندي" من بطولة خالد حمزاوي

GMT 22:05 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

إليك كل ما تريد معرفته عن PlayStation 5 القادم في 2020

GMT 05:54 2017 الأربعاء ,12 إبريل / نيسان

بسمة بوسيل تظهر بإطلالة العروس في أحدث جلسة تصوير

GMT 09:38 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

خلطات منزلية من نبات الزعتر الغني بالمعادن لتطويل الشعر

GMT 16:41 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

لمحة فنية رائعة من صلاح تسفر عن هدف

GMT 12:21 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

محمد يتيم يعود للكتابة بالدعوة إلى "إصلاح ثقافي عميق"

GMT 13:01 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

رودريجو يكشف عن شعوره الأول لحظة مقابلة زين الدين زيدان

GMT 16:29 2019 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

مغربي يقدم على قطع جهازه التناسلي لسبب غريب

GMT 09:59 2019 الإثنين ,26 آب / أغسطس

"رئيس الوصية"..على أبواب قصر قرطاج
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya