“ضربة المروحة”

“ضربة المروحة”

المغرب اليوم -

“ضربة المروحة”

بقلم : جمال بودومة

الأحزاب والانتخابات والحكومات في المغرب مجرد خدع بصرية، السلطة توجد في مكان آخر، والشأن العام يُدبّر من وراء ستار، بـ”التيليكوماند”. يكفي أن تتأمل لائحة الوزراء الذين يرافقون الملك في رحلاته إلى الخارج ويعقدون أضخم الصفقات وأخطر اللقاءات، كي تعرف أن رئيس الحكومة مجرد “كومپارس” في الفيلم الذي نسميه “تسيير الشأن العام”، أما الأبطال الحقيقيون فيحملون حقائب الفلاحة والصناعة والداخلية والخارجية أو يسافرون بلا حقائب، وهم الأكثر نفوذا وتأثيرا في الملفات الكبرى للبلد.

السياسة عندنا تشبه عرضا في مسرح العرائس، الحوارات فيه مكتوبة بعناية، والدمى تتحرك وفق سيناريو محبوك وإخراج محكم. السياسيون مجرد كراكيز تحركهم أياد خفية، لكن يحدث من حين لآخر أن تتمرد إحدى الدمى وتريد أن تقطع الخيوط التي تتحكم في حركاتها، فتنقض عليها عشرات الأيادي الخشنة كي توقفها عند حدها وترميها خارج الخشبة قبل أن تفسد العرض… هذا بالضبط ما يحدث اليوم مع حميد شباط، الأمين العام لحزب “الاستقلال”، الذي يسعى “المتحكمون في الدمى” إلى إبعاده عن الحكومة والحزب، بعد أن مزق الخيوط واستعاد حريته، ويريد أن يلعب دورا غير الذي وَضعَ له مؤلفو المسرحية الهزلية، التي تعرض منذ عشرين عاما، تحت عنوان: “الانتقال الديمقراطي”!

كي نفهم ما يجري، علينا أن نستحضر أن من يريدون إبعاد شباط من الحكومة وإسقاطه من الأمانة العامة للحزب، هم أنفسهم الذين أنزلوه بالمظلة على رؤوس الاستقلاليين خلال المؤتمر السادس عشر، رغم وجود مرشحين أكفاء مثل عبدالواحد الفاسي ومحمد الوفا وامحمد الخليفة ونزار بركة… لكن الحبكة الدرامية كانت تقضي بأن يلعب شباط دور البطولة في مسرحية الدمى، التي تلت احتجاجات 20 فبراير…

في شتنبر 2012، أصبح أشهر “سيكليس” في المغرب أمينا عاما لحزب “الاستقلال” وسط ذهول الجميع. كثيرون لم يفهموا كيف انتهى أقدم حزب مغربي بين يدي رجل شعبوي، لا يتردد في استعمال أحط الأساليب لتصفية خصومه، داخل الحزب وخارجه، يهجم بالسباب والكلاب وينهش أعراض الأحياء والأموات، لكن عندما عرفنا أن كريم غلاب وياسمينة بادو وتوفيق حجيرة

وعادل الدويري صوتوا لصالحه، تأكدنا أن “من يصنعون الشمس والمطر” في المملكة يريدونه على رأس الحزب لغرض في نفس يعقوب. هؤلاء أنفسهم الذين يسعون اليوم إلى إسقاطه بعد أن تلقوا تعليمات جديدة، وصار الشباطيون يسمونهم: جناح “البام” في حزب “الاستقلال”.

عندما خرج الحزب من الحكومة، فهمنا أن “القضية فالطاگية”، ولم يتوقف شباط عن قصف بنكيران بالمدفعية الثقيلة، مستخدما أحط الأساليب، لكن بنكيران صمد وسط العاصفة، واستطاع أن يوصل سفينة الحكومة إلى بر الأمان، وفاز “العدالة والتنمية” بانتخابات السابع من أكتوبر، والبقية تعرفونها. تمرد شباط على مروضيه، وقلب عليهم الطاولة، عندما حاولوا الانقلاب على نتائج الاقتراع، لذلك قرروا الانتقام منه، وعطلوا تشكيل الحكومة كي لا يشارك فيها، مستعملين كل الوسائل الممكنة، إلى أن جاءت تصريحاته حول موريتانيا مثل هدية من السماء، واستعملوها كما استعمل الفرنسيون “ضربة المروحة” ضد داي الجزائر كي يبسطوا أيديهم على البلد. لم يكن أحد يعتقد أن الأمور يمكن أن تصل إلى حد إرسال رئيس الحكومة إلى نواكشوط وإصدار الخارجية بيانا تقريعيا ضد شباط واستنفار أمينين عامين سابقين وقيادات في “الاستقلال”، فقط من أجل الانتقام من الرجل الذي رفض الانقلاب على نتائج الاقتراع!

رغم أن هذه التصريحات ليست جديدة على قادة “الاستقلال”، من علال الفاسي إلى امحمد بوستة، ومن حق الأحزاب أن تكون لها آراء مختلفة عن الموقف الرسمي، لذلك يصعب أن نرى فيما يجري شيئا آخر غير تصفية سياسي مزعج، مع سبق الإصرار والترصد.

من الصعب الدفاع عن شخص مثل شباط، جعل من الشعبوية والافتراء على الأحياء والأموات نهجا سياسيا، لكنهم جعلوا منه “بطلا”، يجسد الصمود ضد التحكم في استقلال القرار الحزبي، ولا يسعُ المدافعين عن الديمقراطية إلا أن يقفوا بجانبه.

الطريق نحو الديمقراطية مازال طويلا. الديمقراطية هي أن تترك الشعب يختار من يحكمه، ويتحمل تبعات الاختيار مهما كانت مكلفة. في الولايات المتحدة الأمريكية، انتخب الشعب رئيسا مخيفا، لا تحبه وسائل الإعلام ولا النخبة السياسية، ويعبر عن مواقف مقلقة، تهدد السلم الاجتماعي والسلام العالمي، لكن الجميع تقبل النتيجة ويستعد للتعايش مع دونالد ترامب لمدة خمس سنوات، لأنه خرج من صناديق الاقتراع. في فرنسا، اختفى رئيسان سابقان من المشهد السياسي في رمشة عين: نيكولا ساركوزي خسر في الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشح اليمين والوسط للرئاسيات المقبلة واصطف وراء رئيس وزرائه السابق فرانسوا فيون، فيما اضطر فرانسوا هولاند إلى التخلي عن الترشح لولاية ثانية بسبب تراجع شعبيته في استطلاعات الرأي، دون الحديث عن ألان جوبي وغيره ممن تقبلوا خسارتهم الديمقراطية بكل روح رياضية. هذه هي الديمقراطية، أن تقبل الهزيمة كما تفرح بالنصر.

عندنا ينفذون مخططات جاهزة باسم الديمقراطية: لأنهم لا يريدون بنكيران في الحكومة، سعوا بكل الوسائل إلى منع حزبه من تصدر الانتخابات، وحين فشلوا حاولوا التآمر على نتائج الاقتراع، ولأن حميد شباط فضحهم، قرروا أن ينفذوا فيه حكم الإعدام!
المصدر "صحيفة اليوم 24

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

“ضربة المروحة” “ضربة المروحة”



GMT 16:20 2020 الخميس ,30 كانون الثاني / يناير

سعيد في المدرسة

GMT 11:52 2020 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

تيفيناغ ليس قرآنا!

GMT 14:26 2019 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

«بيعة» و «شرية» !

GMT 05:27 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

«لا يُمْكن»!

GMT 03:32 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

!الوهم الأبیض

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya