بقلم : جمال بودومة
كنت مارا قرب البرلمان، ذات مساء، حين رأيت حشدا من رجال السلطة يفرق تظاهرة للعاطلين. كان المحتجون جنب النافورة، المقابلة لمحطة القطار، التي باتت تكسوها الطحالب وتنق فيها الضفادع من كثرة الإهمال، وحولهم عشرات المخازنية المستعدين لـ”خزيت”، كما يدل على ذلك حرفا الخاء والزاي في تسميتهم، فضلا عن بذلاتهم البنية وهراواتهم السوداء ونظراتهم الشزراء، كان معهم ضباط يضعون نجوما على الكتف و”تولكي ولكي” في اليد ويعتقدون أن الرعد لا يمكن أن يزمجر في السماء إلا بإذنهم والمطر لا يمكن أن يسقط إلا إذا حصل على ترخيص من وزارة الداخلية. وسرعان ما تمكنوا من تشتيت الغاضبين دون ضرب. بدل استعمال الهراوات، أطلقوا على المتظاهرين وابلا من الشتائم السوقية والكلمات البذيئة، التي كنا نحن المارة والفضوليون نسمعها بوضوح… العنف اللفظي أدى إلى إرباك المحتجين وتقسيمهم، البعض كان يرد على الشتيمة بأحسن منها، آخرون كانوا يحاولون أن يشرحوا لأصحاب القبعة أنه من العيب على رجل يمثل الدولة أن يتلفظ بمثل هذه البذاءات، دون جدوى، فيما تراجعت الأكثرية إلى الوراء خوفا مما لا تحمد عقباه. أكثرية المحتجين كانوا نساء، سمعن من الكلمات السوقية ما لا يمكن سماعه في أحقر البارات. فهمت حينها أن الكلام النابي من تقنيات الردع عند الأجهزة الأمنية، تماماً مثل خراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع… ويبدو أن هناك “دروسا” في الكلام الساقط تلقن في معاهد التكوين التي يتخرج منها رجال السلطة، المواطن مجرد حشرة، وعليهم ألا يترددوا في دعسها بأحذيتهم الثقيلة كلما استدعى الأمر ذلك، وبإمكانهم نهش أعراض الناس وشتم آبائهم وأجدادهم وكل أفراد سلالتهم، ماداموا في النهاية مجرد “سيفيل”!
تذكرت هذا “الفيلم البوليسي” وأنا أتأمل فجيعة الحسيمة، التي ذهب ضحيتها بائع السمك محسن فكري الأسبوع الماضي، ولعل أكثر ما يستوقف في المأساة، بعد الصور البشعة في حاوية الأزبال، هي الجملة التي نسبت إلى رجل السلطة قبل أن يتم فرم الضحية: “طحن مو”… عبارة سرعان ما تحولت إلى “هاشتاگ” أشعل الفضاء الأزرق.
لحسن الحظ أن هناك رقابة شعبية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لم تعد تسمح لمثل هذه الانتهاكات بأن تمر في صمت. فهمنا ذلك بشكل واضح في غشت 2013 حين خرج الناس إلى الشارع مطالبين بإعادة مغتصب الأطفال دانيال گالڤان إلى زنزانته. ورغم أن الأمر يتعلق بـ”عفو ملكي”، والمغاربة لم يتعودوا على الاحتجاج ضد ما يقرره القصر، لا أحد استطاع أن يوقف الشرارة التي اشتعلت كما تشتعل النيران في التبن اليابس، لم ينجح أحد في إيقاف الغضب الذي انتشر عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وتحول إلى تظاهرة في الشارع، تعرضت لقمع مفرط من طرف السلطة لكنها حققت الهدف، حيث رأينا السلطات الإسبانية تلقي القبض على گالڤان والملك يزور عائلات الضحايا في بيوتهم.
“طحن مو”، “عطي لوالديه”، “فرشخ الكلب”، “خسر لمو كمارتو”… السلطة في المغرب مشتقة من السلاطة، ولا أعرف متى يفهم القيمون على أمن المغاربة أن السلطة ثقافة وتربية، والحفاظ على الأمن لا يكون باحتقار الناس وشتمهم وطحنهم مع النفايات. ولا يسعنا إلا أن نسأل عبداللطيف الحموشي والشرقي الضريس ومحمد حصاد أو من سيخلفه: “من أين يأتي رجالكم بكل هذا الحقد على المواطنين”؟ وأين “المفهوم الجديد للسلطة” الذي يتحدث عنه الملك في خطبه منذ سبعة عشر عاما؟