رفاقنا الفرنسيون

رفاقنا الفرنسيون

المغرب اليوم -

رفاقنا الفرنسيون

بقلم : جمال بودومة

كثير من المغاربة يتابعون الرئاسيات الفرنسية بشغف، كما لو كانوا يتفرجون على “الشامبيانز ليگ”. وكما تفرقهم “البارصا” و”الريال” و”البايرن ميونيخ”، يتوزعون إلى مناصرين لماكرون وميلانشان وفيون، وحتى مارين لوبن. وقد صعقت مؤخراً في الرباط، حين سمعت شابا يتحدث بإعجاب عن زعيمة اليمين المتطرف، ويتمنى أن تصل إلى قصر الإيليزي، كي تطرد “عريبّان اللي خرجو على فرنسا”، فيما صديقه يضحك مؤيدا، وهما يرتشفان قهوة “شّي پول”، نكاية في “الزماگرية”. ولا أعرف ما الذي يدفع مغربيا يعيش في الرباط أو الدار البيضاء أو مراكش إلى التحمس إلى فرنسية تكره العرب وتعلق مشاكل بلادها على مشجب الإسلام والمهاجرين؟ لعل الجواب موجود في تلك النكتة التي تقول إن أمريكياً وفرنسياً ومغربياً خرج لهم عفريت وقال لهم: “اطلبوا ما شئتم”… قبل أن يضيف: “لكن إذا أعطيت للواحد منكم شيئا سأمنح لصديقه الضعف!” الأمريكي طلب مليون دولار، وأعطاه العفريت مليونا ومنح لصديقه مليونين. الفرنسي طلب قصرا فخما، أعطاه إياه العفريت وسلم لصديقه قصرين فخمين. حين جاء دور المغربي حدق في العفريت طويلا، ثم طلب منه أن يثقب له عينا… كي يُصاب صديقه بالعمى! البعض “يحب الخير” لإخوته المهاجرين، لذلك يتمنى أن تربح مارين لوبن كي يتفرج على”الزماگرية” وهم يتعرضون للتشريد والتنكيل. هكذا، لله في سبيل الله.

لأول مرة في تاريخ الجمهورية، لا يستطيع أحد أن يتكهن باسم الرئيس المقبل، أسبوعا قبل الاقتراع. لوبن أم ماكرون؟ فيّون أم ميلانشان؟ الكل يصعد وينزل في استطلاعات الرأي، ويتقدم نحو القصر بخطوات مترددة أو ثابتة أو متعثرة. منذ أسابيع وماكرون يحتل الصدارة في كل “الصونداجات”. ولو فاز وزير الاقتصاد السابق، لأصبح أصغر رئيس للجمهورية منذ تأسيسها على يد الجنرال دوگول. أصغر حتى من جيسكار ديستان، الذي وصل إلى الرئاسة في 1974 وعمره تسعة وأربعون عاما. ماكرون لم يبلغ بعد الأربعين، لا يملك برنامجا ولا حزبا، لكنه يستفيد من الانهيار الذي تعيشه الأحزاب التقليدية. “الجمهوريون” أغرقتهم فضائح فرانسوا فيون، و”الاشتراكيون” تقاتلوا فيما بينهم، لدرجة منعت الرئيس فرانسوا هولاند من الترشح لولاية جديدة. أوصلوا الحزب الذي أسسه فرانسوا ميتران في “مؤتمر إيپيناي” عام 1971 إلى حضيض غير مسبوق. بالمقابل، استطاعت مارين لوبن أن تغير وجه “الجبهة الوطنية”. أخضعت حزب الوالد لعملية تجميل ناجحة، حولته من حزب عنصري ينفر منه الجميع إلى حزب عادي يتقدم بثبات نحو السلطة. لوبن تحظى برتبة متقدمة في استطلاعات الرأي، تؤهلها بسهولة للدور الثاني من الانتخابات. رغم أن الطبع يغلب التطبع، ويحدث أن يسقط القناع عن مارين، وتكشف عن “جبهتها” الحقيقية.

ويبقى جان – لوك ميلانشان من أكبر مفاجآت السباق الرئاسي، رغم أنه ليس أول مرة يترشح. ابن طنجة أبهر الفرنسيين بقدراته الخطابية، بعد أن وصل إلى مرحلة من النضج جعلته أكثر إقناعا من كل الاستحقاقات السابقة، وهيمن على تمثيلية اليسار. لم تعرف فرنسا يساريا بكاريزما ميلانشان من أيام جورج مارشي، الزعيم التاريخي للحزب الشيوعي، الذي كانت كلمته مجلجلة في الحياة السياسية الفرنسية. وكلما صعد نجم “جبهة اليسار” كلما تقهقر بونوا هامون إلى الأسفل، لدرجة جعلته تحت عتبة العشرة في المائة. كما تُدين تُدان. قبل أن يصبح مرشحا لـ”الحزب الاشتراكي”، ساهم هامون في إغراق سفينة فرانسوا هولاند من خلال تزعم “جبهة الرفض” داخل “الحزب الاشتراكي”، التي عطلت عمل الحكومة ودفعت بهولاند إلى عدم الترشح لولاية جديدة. لذلك لم يكن غريبا أن يحجم كثير من الوزراء والنواب الاشتراكيين عن التصويت لهامون، ويقررون دعم إيمانويل ماكرون، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء السابق مانويل ڤالس. الفاتورة سيدفعها “الحزب الاشتراكي”، بلا شك. لأول مرة في تاريخه يرى مرشحه خارج المنافسة، أسابيع قبل الاقتراع!

لكن اليسار لم يمت، وهذا أحد الدروس التي نتعلم من هذا التمرين الديمقراطي الفريد. لو تنازل هامون لفائدة ميلانشان لأصبح مرشح “جبهة اليسار” في مقدمة السباق. الفكرة اليسارية لا تموت، لأنها تنحاز للإنسان والطبيعة، بخلاف غيرها من الإيديولوجيات التي تدور في فلك الرأسمال والعرق والدين. بعد أن اعتقد الجميع أن الجمهورية الخامسة دفنت أقصى اليسار إلى الأبد، ها هو ميلانشان يخرج العنقاء من الرماد. رغم الأجراس والجنائز والمعزين، مازال “الرفاق” صامدين، يمسكون في أيديهم منجلا ومطرقة، ويرددون “النشيد الأممي”. ماي شهر الثورة والمفاجآت. ومن يدري؟ ربما استيقظنا في ماي المقبل على راية حمراء ترفرف فوق قصر الإيليزي!

المصدر : جريدة اليوم 24

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رفاقنا الفرنسيون رفاقنا الفرنسيون



GMT 16:20 2020 الخميس ,30 كانون الثاني / يناير

سعيد في المدرسة

GMT 11:52 2020 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

تيفيناغ ليس قرآنا!

GMT 14:26 2019 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

«بيعة» و «شرية» !

GMT 05:27 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

«لا يُمْكن»!

GMT 03:32 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

!الوهم الأبیض

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:55 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الميزان

GMT 04:16 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

زكي يوجه رسالة قوية إلى مسؤولي الدفاع الحسني الجديدي

GMT 14:34 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

"بريزنتيشن" تؤكد أن مُبررات "صلة" في شأن فسخ تعاقدها غير الصحة

GMT 08:32 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

"الأساور العريضة" تصلح لمختلف مناسبات صيف 2018

GMT 11:37 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ياسمين جمال ترتدي فستان الزفاف للمرة الثانية بعد الطلاق

GMT 01:48 2016 السبت ,08 تشرين الأول / أكتوبر

علاج الشيب نهائياً وبألوان مختلفة

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 04:16 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

المغرب يشهد نهضة غير مسبوقة في مجال التنقيب عن النفط

GMT 06:33 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على الفوائد المذهلة لثمرة الرمان على الصحة

GMT 17:22 2019 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

احصلى على أسنان ناصعة البياض فى المنزل

GMT 13:30 2019 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

عربية السيدات تعتمد جوائز خاصة للفرق الرياضية

GMT 23:33 2018 الأحد ,21 تشرين الأول / أكتوبر

موعد الكشف عن "بوجاتي تشيرون سوبر سبورت" الجديدة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya