مزاج معكر

مزاج معكر

المغرب اليوم -

مزاج معكر

بقلم - جمال بودومة

كومة من الصحف أمامي، أحاول أن أقرأ وأفشل. العناوين متشابهة، والمقالات عسيرة على الهضم، تستنسخ بعضها البعض، ماعدا استثناءات قليلة. أرمي الأوراق وألجأ إلى العالم الافتراضي، أشرع في تصفح المواقع الإخبارية على «التابلات»: عاجل، سبق، مفاجأة، صادم، ها علاش، ها كيفاش… لا شيء يصدم في الحقيقة أكثر من هذا التسابق الكاريكاتوري على لفت انتباه القارئ، بعناوين سخيفة ومخادعة، لا علاقة لها بمحتوى المقال، حتى في بعض المواقع المحترمة!

أفتح صفحة عذراء على «التابلات» وأحاول أن أخط بعض السطور، لكن الكلمات عصية. أرتشف من كأس الشاي وأردد: «تسعفني الكأس ولا تسعفني العبارة»…. وأعتذر لصاحب «الخمارة». الصحافي يعثر بسهولة على كلماته، والكاتب يفتش عنها طويلا، وفي رحلة بحثه يعثر دائما على كلمات أجمل. أحاول أن أكتب شيئا وأفشل، أفتش بصعوبة شديدة عن جملة أو فكرة أو عبارة، ولست متأكدا أنني سأعثر على شيء في النهاية، حتى لو كان سطحيا وركيكا. عندما تأتي إلى الصحافة من الكتابة، تفقد أشياء ثمينة في الطريق. تسقط من طابق أعلى، تنتحر بشكل ما، لأنك تكتب على عجل، وتقدم تنازلات حول جملتك، كأنك تبيعها بالتسقيط، غير المريح!

أحيانا أتحسر لأنني لا أتقن «تقطيع الخشب»، كي أحدثكم في السياسة دون أن تفهموا أي شيء. أو أصنع مثل بعض كُتّاب الأعمدة والافتتاحيات، الذين يعطون الانطباع بأنهم يعرفون أشياء كثيرة، لكنهم يتعففون عن اقتسامها مع القارئ، يتصرفون مثل مسؤولين كبار في الدولة، «واجب التحفظ» يدفعهم إلى الاكتفاء بترديد ما يعرفون في المقاهي و«البارات» فقط، وعندما يحملون القلم يغمسونه في السم أو يدهنونه بماء الورد، حسب ما تقتضيه الظروف والأظرفة. أحاول أن أكتب مثلهم وأفشل، أكتشف في النهاية أن ما أخطه واضح ومفضوح، وأتأسف لأنني لم أتعلم كيف أخبئ غضبي وقلقي وحنقي وتعبي وفرحي بين السطور. لا أعرف أي نذل أقنعني بأن الكتابة مجازفة بكل شيء، عملية فضح مستمرة، نشر غسيل فكري، نكاية بمن يفهمون في كل المواضيع. الأشياء الغامضة تبدو أهم من الواضحة دائما، تجعلك تعتقد أن هناك خفايا وخبايا لا تستطيع أن تفهمها بعقلك البسيط. الأشياء الغامضة للكبار فقط، للعاقلين والعارفين و»العلماء». والأشياء الواضحة للجميع، للصغار والكبار والنساء والرجال، في كل وقت، مثل الحمامات الشعبية… هل فهمتم شيئا؟ لقد بدأت في تعلم «النجارة»: التحف الخشبية، تبدأ بضربة منشار!  الصحافي مجرد شاهد، مهمته أن يؤرخ للمآسي والكوارث، كل صباح، وأن يفضح ويعري ويمنح صوته لمن لا يملكون صوتا. أقصى ما يمكن أن يفعله كاتب العمود هو أن يصرخ في «الميكَافون» لعل أذنا تسمع، أو هاتفا يرن، أومسؤولا يتحرك. المشكلة أنه يتحول أحيانا إلى «زورو»، بسبب الظلم، رغم أنها ليست وظيفته. لكن القراء يدفعونه إلى ذلك دفعا. ومن علامات إفلاس القضاء، أن تتحول الجرائد إلى ديوان مظالم، وأن يقصد المشتكون كُتاب الأعمدة بدل كتاب الضبط!

منذ بدأت كتابة الأعمدة، لم يتوقف بريدي عن استقبال الشكاوى والتظلمات، كأنني تابع لقسم الشكايات في وزارة العدل، أعرضها حينا على القراء وأعرض عن ذلك أحيانا، لأن الحيز لا يسمح. وفي كل الحالات، أحاول الرد على الرسائل، كلما سنح الوقت والمزاج. وأعرف أنني مُقصر في حق أولئك الذين يكتبون ليرفعوا إبهامهم إلى السماء، علامة على التشجيع. وأولئك الذين يرفعون قبعاتهم تحية لفكرة أو موقف أو جملة. وهذه فرصة كي أعبر لهم عن عميق الامتنان، وليعذرنا كل من لم يتسن لنا الوقت كي نرد له التحية بأحسن منها. الكتابة عمل فردي، وعبثي أحيانا، مثل الحياة، لكن تلويحة يد من بعيد تمنحه معنى. تحاياكم هي ما يجعلنا نقبل على الكتابة كل صباح. وإيميلاتكم تعزينا في الوقت الذي نضيعه أمام الحاسوب، كي نفتش عن كلمات، نعرف مسبقا أنها آيلة للزوال، في هذه اللعبة الخاسرة، التي تستدرجك إليها كما يستدرج «الكازينو» لاعب القمار.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مزاج معكر مزاج معكر



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين

GMT 20:47 2018 السبت ,08 كانون الأول / ديسمبر

"الوطني للسكك الحديدية "يعلن عن تخفيضات في تذاكر القطار

GMT 10:42 2018 الثلاثاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

حركة إعفاءات وتغييرات جديدة في صفوف الدرك الملكي

GMT 02:26 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

ورق جدران بألوان جذابة لديكورات غرف معيشة مبهجة

GMT 22:03 2018 الإثنين ,06 آب / أغسطس

صعقة كهربائية تودي بحياة شاب في سلوان
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya