نوستالجيا “عيد العرش المجيد”

نوستالجيا: “عيد العرش المجيد”

المغرب اليوم -

نوستالجيا “عيد العرش المجيد”

بقلم - جمال بودومة

في أيام الحسن الثاني كانت لعيد العرش نكهة أخرى. لم يكن الخطاب الملكي ما يسترعي انتباهنا، بل الأغاني الوطنية، وقصائد المديح، والاستعراض وما أدراك ما الاستعراض. المملكة بكاملها تخرج للشارع كي تتفرج: البنات يتنكرن في زي “الماجوريت”، ببذلاتهن الأنيقة ذات اللونين الأبيض والأحمر، يمشين بإيقاع موحد وفي يد كل واحدة منهن عصا تحركها في شتى الاتجاهات، ومن خلفهن فرقة نحاسية تقرع الطبول. أما الأولاد فيتحولون إلى جنود صغار، يسيرون في الشوارع وهم يرددون: “واحد اتنين تاكل فار بلا ودنين”… لا أعرف هل كانت المبادرة حرة من بعض المعلمين المعجبين بالبذلة العسكرية أم إن وزارة التربية الوطنية هي من كانت تفرض “التجنيد الإجباري” على أطفال في التاسعة من العمر،  لكن الاستعراضات كانت مغرية وكنا نتسابق كي نكون ضمن المشاركين، لأن البعض كان يحلم بأن يصبح جنديا حقيقيا عندما يكبر، وهي فرصة ذهبية كي يمشي خطواته العسكرية الأولى، والجميع كان يعرف أن المشاركة في عيد العرش تعفيه من الدراسة طوال فترة التداريب، وهو المحفز الأول طبعا!

على امتداد أسابيع، نتمرن على المشية العسكرية في ساحة المدرسة، ونردد بعض الأناشيد الحماسية، استعدادا لليوم الموعود. عشية الاستعراض، نتسلم زيا كاكيا وقبعات وأحذية تحاكي ما يرتديه الجيش. في الثالث من مارس نخرج للشارع مثل جنود أشاوس. نحس أننا أصبحنا أبطالا، جاهزين لتحرير الصحراء، رغم أننا لم نكن نعرف أين تقع على الخريطة. المعلم الذي يقودنا يتصرف مثل جنرال، لا تنقصه إلا النياشين والسلاح. السلاح الذي كان يلعلع غير بعيد في تلك الثمانينات القاسية. كانت أصداء المعارك في الصحراء تجعلنا نحس بمزيج من الخوف والتحدي، ونحن نرتدي هذا الزي المهيب، ونجوب شارع المدينة ككتيبة تتهيأ للقتال. عندما يستبد بنا الحماس نردد بأعلى صوتنا: “ماطيشة بلا ملحة، بومدين خاصو دبحة!”رغم أننا لم نكن نعرف من هو بومدين هذا الذي يستحق الذبح، وما دخل الطماطم في الموضوع! فيما بعد فهمنا أن “التهديد” موجه للرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين، الذي لعب دورا محوريا في إنشاء وتسليح جبهة البوليزاريو.

عندما وصلنا إلى الإعدادية، أصبحت المشاركة في عيد العرش تعني تهييء سهرة تقام في قاعة الحفلات بالمؤسسة. لا يهم. استعراض في الشارع أم سهرة في الإعدادية، المهم أن نعفى من الدراسة، وهو أعز ما يُطلب في تلك السنوات الساذجة. بدل الفيالق العسكرية ومجموعات “الماجوريت”، كان الأساتذة يشكلون فرقا مسرحية وموسيقية من التلاميذ، حسب المواهب المتوفرة، ويقترحون أعمالا وطنية وقومية تعرض  في سهرة عيد العرش الكبرى.

كنا عصابة من الأصدقاء، نجلس في المقاعد الخلفية، أرسلنا أهلنا للتعلم وتخصصنا في الشغب والغياب. عندما سألنا أستاذ العربية ذات صباح: من يريد المشاركة في عيد العرش؟ رفعنا أصابعنا في وقت واحد، بلا تنسيق مسبق… إنها فرصة ذهبية كي نستريح من الدروس ونتفرغ للحماقات. صحيح أننا مجبرون على حضور التداريب، لكن شتان بين التسلية التي تمنحها المسرحيات والأغاني، وبين التحاكي ومعادلات الدرجة الثانية وتعكر ماء الجير وقصائد جميل بن معمر عن حبيبته “البعكاكة” بثينة…

بدأنا التداريب، وكان نصيبي دور حقير في مسرحية تافهة من اقتراح تلميذ مغرور. رجل غني يريد تزويج ابنته ويطرح سؤالا مخاتلا على الخُطّاب الذين يأتون كي يطلبوا يدها: من يضيئ القاعة التي نجلس فيها الآن؟ يسأل والد الفتاة. الخطيب الأول يرد وهو يشير إلى قرص أصفر معلق على الحائط: إنها الشمس. الثاني ينظر إلى السقف ويقول: إنه المصباح. الثالث يمد سبابته إلى شمعدان على الطاولة ويردد: إنها الشمعة. ويأتي في النهاية البطل ليقول: الجمهور هو الذي يضيئ القاعة… فيضج المسرح بالتصفيق ويفوز بالفتاة، التي لا توجد أصلا، بل يتم الحديث عنها فقط، بضمير الغائب… قمة السخافة. وصاحبكم من كان يقول: “الشمعة”!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نوستالجيا “عيد العرش المجيد” نوستالجيا “عيد العرش المجيد”



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 19:14 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العقرب

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 15:33 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الجوزاء

GMT 19:14 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

جون تيري يكشف مميزات الفرعون المصري تريزيجيه

GMT 17:27 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وضع اللمسات الأخيرة على "فيلم مش هندي" من بطولة خالد حمزاوي

GMT 22:05 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

إليك كل ما تريد معرفته عن PlayStation 5 القادم في 2020

GMT 05:54 2017 الأربعاء ,12 إبريل / نيسان

بسمة بوسيل تظهر بإطلالة العروس في أحدث جلسة تصوير

GMT 09:38 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

خلطات منزلية من نبات الزعتر الغني بالمعادن لتطويل الشعر

GMT 16:41 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

لمحة فنية رائعة من صلاح تسفر عن هدف

GMT 12:21 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

محمد يتيم يعود للكتابة بالدعوة إلى "إصلاح ثقافي عميق"

GMT 13:01 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

رودريجو يكشف عن شعوره الأول لحظة مقابلة زين الدين زيدان

GMT 16:29 2019 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

مغربي يقدم على قطع جهازه التناسلي لسبب غريب

GMT 09:59 2019 الإثنين ,26 آب / أغسطس

"رئيس الوصية"..على أبواب قصر قرطاج
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya