بداية ونهاية

بداية ونهاية

المغرب اليوم -

بداية ونهاية

بقلم - جمال بودومة

البداية أجمل ما في الحياة، لذلك يشدنا الحنين إلى الطفولة، حيث كل شيء بسيط ومرتب بعناية، ولا شيء في البال غير اللهو والحماقات، التي لا يقطعها سوى النوم أو غضب الكبار، ولذلك قال محمود درويش في إحدى أروع قصائده: “لا أريد من الحب إلا البداية”… قبل أن يلطم حظه العاثر: “أنا العاشق السيئ الحظ… نرجسة لي وأخرى عليّ… تمرد قلبي علي… فلا أستطيع الذهاب إليك… ولا أستطيع الرجوع إلي”… أفظع شيء يمكن أن يحدث للإنسان هو أن يقف في الوسط، ولا يعرف هل يتقدم إلى الأمام أو يعود إلى الخلف، في الحب وفي الحرب وعلى الطريق!

في البداية حيوية وطراوة وسذاجة جميلة، وفيها الدهشة والاكتشاف، وفيها النهاية أحيانا. الراحل الكبير خَوَّان غويتصيلو توفق في شرح “كيمياء” البداية عندما تحدث عن ظروف ولادة روايته الاستثنائية “مكبرة”. عندما وصل الكاتب أول مرة إلى مراكش ورأى جامع لفنا أصيب بالذهول. سحرته الساحة، وخلّد ذلك في روايته المدهشة، التي تحتفل برواة جامع لفنا، وتجري بين مراكش ومانهاتن وباريس، الجملة في “مكبرة” تعادل آلاف الصور الملتقطة من كل الزوايا لمكان سحري، من طرف فنان فوتوغرافي عاشق. فيما بعد، سواء في كتبه أو أحاديثه، لم يعد الكاتب يكتشف الساحة، بل يتعرف عليها فحسب، وشتان بين دهشة البداية وحسرة النهاية وألفة الوسط. لا نسبح في النهر مرتين!

نبدأ مرة واحدة، ونظل نشتاق إليها بقية العمر. عندما يستبد بي الحنين إلى البدايات، تتحرك الأشرطة في رأسي وأرى مدينة ميتة، وشبابا يقضي وقته وهو يجوب شارعها الوحيد أو يلعب “البيار” و”الفليبور” و”الكولفازور” أو يدخن الحشيش إذا ما استطاع إليه سبيلا. البعض كان يمارس هوايات مثل تربية الطيور أو الكلاب، أو تربية العضلات في صالات كمال الأجسام. الأكثر رومانسية يتعاطى لجمع الطوابع البريدية والعملات. طوابع من مختلف الأسعار ومن كل أنحاء العالم، عليها صور ورسوم لمشاهير ومدن ومعالم وأعمال فنية، تجعلك تسافر في التاريخ والجغرافيا، وترضي نزعة الفضول وحب الاستطلاع، سنوات قبل أن يولد “غوغل” وأخته الصغرى “ويكيبيديا”.

المراسلة أيضا كانت من الهوايات الرائجة في ذلك الزمن الجميل. تكتب إلى أشخاص تعثر عليهم في الجرائد والمجلات أو تضع عنوانك في ظرف وتبعثه إلى “ركن التعارف”، وهي النسخة البدائية من “فيسبوك”. بعد أيام تتلقى رسائل من أناس لا تعرفهم وتشعر بفرحة لا توصف. أحيانا، كان المعلمون يتكلفون بربط الاتصال بين التلاميذ في مختلف المدن كي يدربونهم على الكتابة. كنا نكتب لأطفال لا نعرف عنهم شيئا. نحكي لهم قصصا واقعية وأخرى خيالية، نقول لهم إننا “على أحسن ما يرام” و”لا ينقصنا إلا النظر في وجهكم العزيز”. مرة توصلت برسالة من تلميذ في إحدى مدارس الفقيه بنصالح، ولأنني لم أسمع يوما بهذه المدينة ظللت أعتقد أن “الفقيه بنصالح”، هو مدير المدرسة التي يدرس فيها صديقي الجديد.

الأصدقاء مهمون في كل مراحل الحياة. في ذلك العمر الطري، تستطيع أن تنسج علاقاتك بسهولة كبيرة. نراكم عددا كبيرا ممن نعتقد أنهم “أصدقاء”، قبل أن نكتشف وجوههم الحقيقية، ونتخلى عن معظمهم أو يتخلون عنا. “وما أكثر الخلان حين تعدهم، ولكنهم في النائبات قليل”. كل واحد يملك لائحة طويلة من الأسماء والوجوه التي شطبها من حياته. لكل بداية نهاية. الصداقة رباط ذهبي بين شخصين، يدمره الحسد والجشع، وينخره الخبث والانتهازية المتأصلة في النفس البشرية. لحسن الحظ أن هناك وجوها لا تُمحى وصداقات لا تموت. تقاوم الزمن وتقلباته، وتراوغ النزعات الغريزية الأكثر سوادا في أعماق الإنسان.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بداية ونهاية بداية ونهاية



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:14 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج القوس

GMT 15:51 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج العذراء

GMT 11:04 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج العذراء

GMT 00:58 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

دراسة تحدّد الأطفال الأكثر عرضة لخطر السكري من النوع الثاني

GMT 19:55 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

رشيد دلال مساعدا للكيسر في تدريب أولمبيك آسفي

GMT 05:10 2016 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تستضيف أعمال الفن العربي الحديث في متاحفها

GMT 07:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

غوايدو يدعو الفنزويليين للاحتجاجات ضد مادورو

GMT 17:50 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وهبي يراسل وزير الصحة بشأن غياب دواء مرضى السرطان

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya