سوريا العدوان الثلاثي

سوريا.. العدوان الثلاثي

المغرب اليوم -

سوريا العدوان الثلاثي

مصطفى فحص

أدت مشاركة فرنسا وبريطانيا إلى جانب إسرائيل في العدوان على مصر سنة 1956 إلى تعزيز أمن الدولة العبرية الذي اعتبر من أولويات الاستقرار الدولي، ومهدت النتائج السياسية للعدوان إلى انحسار نفوذ فرنسا وبريطانيا في الشرق الأوسط، ومن ثم الخروج منه، ليشهد العالم نهاية حقبة استعمارية لا يزال أثرها قائمًا.
دفعت باريس ولندن ثمن سوء التقدير لعواقب التدخل العسكري في مصر، من أجل حماية ما اعتبرتاه آنذاك مصالح اقتصادية وسياسية، حاولتا الاحتفاظ بها بعد الحرب العالمية الثانية، على الرغم مما أصاب خريطة نفوذهما العالمية من تقلص جراء التحولات الكبرى في الخريطة السياسية الدولية بعد الحرب، وبروز قوى جديدة كوريث شرعي للحقبة الاستعمارية السابقة، إذ استكملت واشنطن وموسكو بعد العدوان الثلاثي على مصر خطوات إقصاء آخر اللاعبين الدوليين عن الساحة العالمية، واندفعتا في تطبيق سياسة ملء الفراغ ورسم حدود النفوذ وشكله بينهما، بعدما قسمتا العالم إلى معسكرين تحكمهما سياسة التوازن بين القطبين.

اليوم، تنزلق موسكو وطهران في سوريا نحو تكرار الخطأ الفرنسي - البريطاني في مصر، فقد أقحمت موسكو نفسها عسكريًا في المستنقع السوري، بعدما تركته طيلة أربع سنوات بيد طهران، التي فشلت في نظر الروس في القضاء على المعارضة المسلحة، فبات نظام الأسد قاب قوسين أو أدنى من انتكاسة عسكرية قاسية أو سقوط مفاجئ، ما قد يهدد مصالح موسكو الجيو - سياسية ويضعف موقعها التفاوضي. وعليه استعجلت روسيا خلط الأوراق للحفاظ على آخر موطئ قدم لها في المياه الدافئة، مقتنعة أن تدخلها العسكري المباشر في الأزمة السورية سيفرض وقائع إقليمية ودولية تعيدها إلى الموقع المؤثر بين الأقطاب الدوليين لحظة إعادة صياغة نظام عالمي جديد، وخصوصًا بعد اتهام واشنطن وعواصم غربية وإقليمية بمحاولة تهميشها ووضعها خارج معادلة القوة، كعقاب لها على تحدي الإرادة الغربية في ملفات دولية عدة، أبرزها أوكرانيا وسوريا.
من جهتها، تبذل حليفتها طهران جهودًا عسكرية مضنية بغية الحفاظ على ممرها السوري إلى سواحل المتوسط والذي يؤمن لها أيضًا التواصل البري مع لبنان عبر العراق، فتنتظر الفرصة لمساومة المجتمع الدولي على حصتها السورية، مراهنة على غياب الرؤية الأميركية الغربية للحل، ومستفيدة بالتالي من رخاوة أوبامية في التعامل معها على حساب مصالح دول إقليمية أخرى.

في المقابل، انشغلت تل أبيب منذ اليوم الأول لانطلاق ثورة الشعب السوري في الحفاظ على استقرار حدودها الشمالية وانتزاع مزيد من الضمانات الأمنية، إذ عارضت إسقاط نظام بشار الأسد ما لم يوفر النظام البديل الضمانات الأمنية والعسكرية نفسها التي حصلت عليها من دمشق بعد حرب عام 1973. وقد نجحت مراكز الضغط الإسرائيلية في واشنطن في التأثير على صناع القرار الأميركي فأقنعتهم بالامتناع عن تسليح الجيش السوري الحر، ما سمح باستمرار التفوق الجوي لنظام الأسد، بينما حققت زيارة بنيامين نتنياهو الأخيرة إلى موسكو مجمل أهداف تل أبيب في سوريا.

بعد 59 عامًا على العدوان الثلاثي على مصر، تتقاطع مصالح روسيا وإيران وإسرائيل في حماية نظام الأسد، بما يشبه عدوانًا مشتركًا على الشعب السوري، لن تنجح فيه إلا تل أبيب في الحصول على مزيد من الأمن والاستقرار، بينما تسابق موسكو وطهران الزمن من أجل انتزاع اعتراف دولي لما تحاولان فرضه من وقائع جديدة، أساسها إعادة القبول بحكم الأسد قبل مغادرة باراك أوباما البيت الأبيض، كي لا يكون مصيرهما في سوريا مشابهًا لمصير فرنسا وبريطانيا في مصر، خصوصًا إذا نجحت مؤسسات الدولة الأميركية في إقناع باراك أوباما باستحالة القبول بالمطالب الروسية - الإيرانية، وجرهما إلى حرب استنزاف، بانتظار وصول رئيس أميركي جديد يعيد الاعتبار لموقع الولايات المتحدة في السياسة الدولية.


 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سوريا العدوان الثلاثي سوريا العدوان الثلاثي



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya