العراق ثلاثية الجيش والشعب والمرجعية

العراق... ثلاثية الجيش والشعب والمرجعية

المغرب اليوم -

العراق ثلاثية الجيش والشعب والمرجعية

مصطفى فحص
بقلم: مصطفى فحص

جدل واسع أثاره الكشف عن استقبال السيد السيستاني مجموعة من جرحى الجيش العراقي، وما بين تاريخ زيارتهم وتوقيت الإعلان عنها، رسائل بالغة الدقة، وبأبعاد عدة، أرادت المرجعية الدينية النجفية توجيهها للداخل والخارج. فمن حيث الشكل؛ هي المرة الثانية في التاريخ التي يظهر فيها المرجع الديني الأعلى للشيعة في العالم السيد علي السيستاني في شريط مصور، بعد الظهور الأول والاستثنائي إبان حادثة تفجير مرقد الإمام الحسن العسكري في مدينة سامراء سنة 2006 إلى جانب المراجع الثلاثة الكبار (الحكيم والفياض والنجفي)، وذلك بهدف احتواء الفتنة المذهبية حينها التي أشعلها التفجير. أما من حيث المضمون؛ فإن التسجيل الثاني بعد أيام على خطاب يوم الجمعة الذي تزامن مع الذكرى الثانية للانتصار على تنظيم «داعش» الإرهابي، فهو ضربة موجعة تسددها المرجعية بوجه الطبقة السياسية والأحزاب الشيعية المسلحة التي تتحمل مسؤولية القمع الدموي الذي يجري بحق المتظاهرين السلميين منذ انطلاق انتفاضة 1 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهذا ما غمزت المرجعية من قناته بقولها: «إن ما تكرر خلال الأيام الماضية من حوادث الاغتيال والاختطاف يؤكد مرة أخرى أهمية أن يخضع السلاح ـ كل السلاح ـ لسلطة الدولة، وعدم السماح بوجود أي مجموعة مسلحة خارج نطاقها تحت أي اسم أو عنوان. إن استقرار البلد والمحافظة على السلم الأهلي فيه رهن بتحقيق هذا الأمر». ولكن اللافت في التسجيل الثاني الذي جرى منذ أشهر عدة، وتم الكشف عنه بعد أيام من خطاب الجمعة أنه لم يتم فيه ذكر «الحشد الشعبي»، مع العلم بأن جزءاً كبيراً منه خُصِّص للتذكير بالتضحيات التي قدمها أبناء الشعب العراقي في الحرب على «داعش» وتحديداً القوات المسلحة الرسمية ،مع التركيز على دور الجيش فقط بشكل واضح وصريح.
ففي السنوات الأخيرة أصبح الجيش العراقي المؤسسة الرسمية الوحيدة التي تحظى بإجماع وطني، الأمر الذي أدَّى إلى تعرضه لمخطط إضعاف وعزل وإلى تفريغه من قادته عبر الإقالات والتهميش، وذلك بعد استعادته جزءاً من عقيدته القتالية، التي من الطبيعي أن تصطدم مع مشاريع الهيمنة على القرار السيادي العراقي، كما أنَّ إصرار الشارع والمرجعية على أنه يمثل السلاح الشرعي الوحيد أدَّى إلى تفاقم علاقته مع سلطة الفصائل المسلحة، فقد عدَّت المرجعية في خطبتها أنه «لا بد من أن نعيدَ اليوم التأكيد على ما سبق ذكره من ضرورة أن يكون بناء الجيش وسائر القوات المسلحة العراقية وفق أسس مهنية رصينة، بحيث يكون ولاؤها للوطن، وتنهض بالدفاع عنه ضد أي عدوان خارجي، وتحمي نظامه السياسي المنبعث عن إرادة الشعب وفق الأطر الدستورية والقانونية».
فمما لا شك فيه أن انحياز المرجعية للجيش في هذه المرحلة، لا يعطيه الضوء الأخضر للقيام بانقلاب عسكري قد يتصوره البعض أنه مخرج لحالة الانسداد التي تعاني منها العملية السياسية، واستجابة لمطالب المتظاهرين الذين يتعرضون يومياً لعمليات القتل الممنهج على يد ميليشيات السلطة، ورغم ذلك؛ فإن حساسية النجف والنُخب العراقية الوطنية خصوصاً الشيعية لا تزال مسكونة بهواجس الخوف من الانقلابات وحكم العسكر، الذي جرّ الويلات على العراق وأسس لثقافة السحل والاغتيالات والسجون والإبادات الجماعية، إلا أنه مع استمرار حكومة الولائيين في تعنتها ورفضها القيام بأي خطوات إصلاحية، وإمعانها في قتل العراقيين وترهيبهم من أجل إجبارهم على التراجع، وعدم استجابة هذه السلطات لمطالب الشارع، وسقوط مزيد من الضحايا المدنيين، فإن التململ الموجود داخل الجيش سيخرج إلى العلن، وقد يؤدِّي إلى أن تعلن وحدات قتالية أساسية تمردها على قيادتها السياسية تحت ذريعة حماية المتظاهرين، ووقف حمام الدم الذي تصرُّ الطبقة السياسية على ارتكابه بغطاء خارجي.
ففي المواجهة المفتوحة ما بين السلطة والشعب، يراهن المتظاهرون العزل على تدخل قطاعات كبيرة من الجيش وبعض الفرق الخاصة، مثل جهاز مكافحة الإرهاب، في اللحظة المناسبة لحمايتهم من الميليشيات، خصوصاً أنَّ الجيش العراقي بعد انتصاره على «داعش» أصبح المؤسسة الوحيدة التي تحظى بإجماع وطني، ولم يزل الشارع يعدّ أنَّ الجنرال عبد الوهاب الساعدي هو أيقونة القوات المسلحة ورمز انتصاراتها، وأحد أبرز الأسماء المقبولة من قبله لتولي الحكومة الانتقالية، إضافة إلى اسم القائد السابق للجهاز الجنرال الأسدي، ومدير جهاز المخابرات العامة مصطفى الكاظمي، الذي بات يتردد اسمه إضافة إلى الجنرالين بصفتهم من الأسماء التي تنطبق عليها الشروط التي وضعتها انتفاضة أكتوبر.
وعليه؛ فإن إعادة هندسة الوطنية العراقية التي انطلقت في «1 أكتوبر» باتت تملك غطاءً روحياً وشعبياً ومؤسساتياً أمنته ثلاثية الخلاص العراقي؛ الجيش والشعب والمرجعية.

 

قد يهمك ايضا
إيران بين الصبر الاستراتيجي والاقتصاد المقاوم
لبنان بين صيغتين

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العراق ثلاثية الجيش والشعب والمرجعية العراق ثلاثية الجيش والشعب والمرجعية



GMT 15:02 2020 الأحد ,09 شباط / فبراير

أنصار اسرائيل في اميركا يهاجمون المسلمين

GMT 16:11 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

من يفوز بالرئاسة الاميركية هذه المرة

GMT 17:21 2020 الجمعة ,07 شباط / فبراير

ايران وحادث الطائرة الاوكرانية

GMT 14:46 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

من دونالد ترامب الى اسرائيل

GMT 17:46 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخبار مهمة للقارئ العربي - ٢

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:03 2014 الخميس ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فوائد الجوز " عين الجمل " لا يعلمها إلا القليلون

GMT 12:28 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الفرسان يتطلعون للفوز بثاني جولات بطولة "هذاب"

GMT 06:07 2017 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

سيت الأفضل لقضاء شهر عسل لتميزها بالمناظر الجذابة

GMT 03:45 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

مديرة الأزياء جين ماكفارلاند تستعرض مجموعة كافالي

GMT 06:22 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تصنف المغرب أبرز مُصدّري اليهود منذ استقلال المملكة

GMT 00:00 2014 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

" أوراق بوكافر السرية " جديد الكاتب ميمون أم العيد

GMT 23:10 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رشيد غفلاوي سعيد بانضمامه إلى فريق الساحل النيجيري

GMT 23:08 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

المهاجم فيصل عجب يثبت جدارته مع نادي التضامن

GMT 17:14 2016 الجمعة ,01 إبريل / نيسان

سر إغماض العيون أثناء تبادل القبل على الشفاه

GMT 10:51 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنان أمير كرارة يفاجئ المعجبين بإطلالة مختلفة تمامًا

GMT 17:38 2015 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

عبدالفتاح الجريني يحضر لديو غنائي مع العالمي مساري

GMT 03:16 2015 الجمعة ,22 أيار / مايو

شاطئ مرتيل يلفظ أحد ضحايا موسم الاصطياف

GMT 08:17 2017 الأربعاء ,30 آب / أغسطس

إخلاء السفارة الكندية في برلين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya