معركة اللبنانيين لبناء جمهورية يستحقونها

معركة اللبنانيين لبناء جمهورية يستحقونها

المغرب اليوم -

معركة اللبنانيين لبناء جمهورية يستحقونها

مصطفى فحص
بقلم: مصطفى فحص

نظر اللبنانيون في 17 أكتوبر (تشرين الأول) في المرآة، فاكتشفوا حجم الفوارق بين وجوههم، ووجوه من يحكمهم، حدقوا جيداً في تفاصيل تلك الوجوه، لم يجدوا ما يشبه حاضرهم، فنزلوا إلى الشارع خوفاً من خسارة المستقبل، بعدما خسروا الماضي.

كان ماضيهم مثقلاً بخيبات الأمل، ولكي لا تستمر خيباتهم لم يترددوا في قول الأشياء والأسماء، كما هي، فتصدت لهم «كان ومن لف لفها» بأفعالها الناقصة، أخرج ملوك الطوائف جنودهم، استعانوا مجدداً بلغة الحرب الأهلية وخطابات التحريض والتخوين، لكنها لم تكن سوى أدوات فاسدة انتهت صلاحيتها، تُضاف إلى أفعالهم الفاسدة منذ ثلاثة عقود، حطموا خلالها الدولة، أفرغوها من كل وجه يطالب بإقامتها، تنازعوها بأهلها وخيرها، حولوها إلى إقطاعيات وحصص، طوفوها من الحاجب إلى النائب، وتصرفوا بها ومعها كغنيمة تباع أو تمنح. فبات اللبنانيون يقيمون في دولة بلا معنى، لم يعد ممكناً لهم العثور على هوية لها في ظل طبقة حاكمة فقدت حياءها، فالهوية الوطنية تحتاج إلى دولة بمعناها الاجتماعي والسياسي لرعايتها، لذلك أصرّ المحتجون في 17 تشرين على المجاهرة بانتمائهم إلى حزب الدولة، ولجأوا إلى سجلات الجمهورية بحثاً عن من يستعيدها.

في الطريق إلى استعادة الدولة، اكتشف المحتجون أن وجوهاً كثيرة تشبههم، كان نواف سلام أحد أبرز الوجوه في مرآة الانتفاضة، بدت ملامحه للكثيرين صافية وواضحة، والوضوح في وجه نواف سلام هو المعضلة، فهو لا يناسب منظومة تنتمي إلى لغة الصفقات والمساومات، لذلك أبرزت سريعاً أنيابها، وأمرت بالبحث في ملفاته عن عثرة أو خطيئة، عن مستند تستخدمه لإدانته، وبعدما عجزت عن العثور على مالٍ حرام في جيبه، وعلى دمٍ حرام في كفه، لجأت إلى القول الحرام، وروجت لأدوار ومواقف لا تمت بصلة إلى تاريخه، أزمة الرافضين لاحتمال ترشيحه لمنصب رئيس الوزراء أنهم لم يعثروا له على صورة مع ضباط العدو الإسرائيلي على درج المتحف اللبناني، ففي اجتياح لبنان 1982 كان صامداً مع رجال المقاومة اللبنانية والفلسطينيين في بيروت المحاصرة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، ولم يخرج من العاصمة إلا بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان؛ حيث غادر إلى باريس مع مجموعة من أصدقائه لم يزل الكثير منهم شهوداً على تلك الحقبة. فقد انتمى ابن العائلة الأرستقراطية اللبنانية مبكراً إلى حركة فتح، وقاتل في الجنوب اللبناني مع صفوفها، وعمل في مركز التخطيط الفلسطيني الذي أداره المناضل المصري رؤوف نظمي مخائيل، المعروف بمحجوب عمر، وليس سراً أن نواف سلام شارك في صياغة خطاب الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في الأمم المتحدة، كما أن السلطة الوطنية الفلسطينية نوهت بدوره البنّاء بمساعدة فريقها الدبلوماسي الذي أدار معركة انتزاع اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بدولة فلسطين أثناء عمله مندوباً للبنان لدى الأمم المتحدة.

ينتمي نواف سلام إلى جيل من المناضلين، خُيروا في مرحلة الاحتلال السوري ما بين الخيانة والعزلة، ففضلوا العزلة، حتى لا يخسروا قناعاتهم، حفاظاً على ماضيهم. ولكن من اعتقد أن عزلهم سيُلغي حضورهم، سقط في امتحان الانتفاضة، لم يعد لدى اللبنانيين القدرة على التحمل أن تبقى الطوائف أكبر من حجمها، فيما الدولة أقل من حجمها، ولكي تستعيد الدولة حجمها الطبيعي باتت تحتاج إلى جمهورية جديدة، هي الثالثة في قاموس الانتفاضة، ولأن الانتفاضة تحتاج إلى من يحرسها من كل أعدائها، ومن بعض أصدقائها، الأمر الذي يستوجب طرح أسماء بمعايير مختلفة، تمثل مرحلة جديدة من تاريخ لبنان الحديث، يكتبها جيل قرر طي صفحات الماضي، وإعادة هندسة المجتمع اللبناني، وفقاً لطبيعته المفتوحة، المبنية على شروط ديمقراطية، قادرة بأدواتها السلمية على تصحيح مسارتها التي تختلف عن مسارات «الربيع العربي» ومآلاته، وذلك ضمن خصوصية لبنانية ترفض الشمولية أو الغلبة أو اللجوء إلى العسكر، ووجدت مع قاضٍ فرصتها لإصلاح المُلك، وهو مسار عسير في مواجهة طوائف تقاتل من أجل الحفاظ على امتيازاتها، ولن تتردد مجتمعة في إفشاله أو إفشال من يشبهه، في مهمة لم تعد سهلة، فمعركة اللبنانيين لبناء جمهورية يستحقونها، كان نواف سلام ولم يزل فرصتها.

 

قد يهمك ايضا
العراق... ثلاثية الجيش والشعب والمرجعية
إيران بين الصبر الاستراتيجي والاقتصاد المقاوم

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معركة اللبنانيين لبناء جمهورية يستحقونها معركة اللبنانيين لبناء جمهورية يستحقونها



GMT 15:02 2020 الأحد ,09 شباط / فبراير

أنصار اسرائيل في اميركا يهاجمون المسلمين

GMT 16:11 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

من يفوز بالرئاسة الاميركية هذه المرة

GMT 17:21 2020 الجمعة ,07 شباط / فبراير

ايران وحادث الطائرة الاوكرانية

GMT 14:46 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

من دونالد ترامب الى اسرائيل

GMT 17:46 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخبار مهمة للقارئ العربي - ٢

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:03 2014 الخميس ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فوائد الجوز " عين الجمل " لا يعلمها إلا القليلون

GMT 12:28 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الفرسان يتطلعون للفوز بثاني جولات بطولة "هذاب"

GMT 06:07 2017 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

سيت الأفضل لقضاء شهر عسل لتميزها بالمناظر الجذابة

GMT 03:45 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

مديرة الأزياء جين ماكفارلاند تستعرض مجموعة كافالي

GMT 06:22 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تصنف المغرب أبرز مُصدّري اليهود منذ استقلال المملكة

GMT 00:00 2014 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

" أوراق بوكافر السرية " جديد الكاتب ميمون أم العيد

GMT 23:10 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رشيد غفلاوي سعيد بانضمامه إلى فريق الساحل النيجيري

GMT 23:08 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

المهاجم فيصل عجب يثبت جدارته مع نادي التضامن

GMT 17:14 2016 الجمعة ,01 إبريل / نيسان

سر إغماض العيون أثناء تبادل القبل على الشفاه

GMT 10:51 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنان أمير كرارة يفاجئ المعجبين بإطلالة مختلفة تمامًا

GMT 17:38 2015 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

عبدالفتاح الجريني يحضر لديو غنائي مع العالمي مساري

GMT 03:16 2015 الجمعة ,22 أيار / مايو

شاطئ مرتيل يلفظ أحد ضحايا موسم الاصطياف

GMT 08:17 2017 الأربعاء ,30 آب / أغسطس

إخلاء السفارة الكندية في برلين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya