إيران «الثورة والجغرافيا» في مواجهة «الدولة والثروة»

إيران «الثورة والجغرافيا» في مواجهة «الدولة والثروة»

المغرب اليوم -

إيران «الثورة والجغرافيا» في مواجهة «الدولة والثروة»

بقلم : مصطفى فحص

يصر النظام الإيراني على الإقامة الدائمة في الماضي٬ ويؤمن أن بإمكانه استيعاب المتحولات الداخلية التي تعصف بالمجتمع الإيراني٬ وتقليص ارتداداتها٬ وأن لديه كامل القدرة على التعامل مع التقلبات الخارجية٬ كأنها عابرة ومحدودة التأثير على بنيته٬ ويتصرف كأنه الثابت الوحيد وسط متغيرات إقليمية ودولية٬ وهو مستمر في استغلال شعار «تصدير الثورة» كعقيدة استراتيجية في سياسة التوسع الجيوسياسي التي لجأ إليها منذ عام ٬1979 وقد شكل هذا الشعار الأداة الأسرع في إعادة إنتاج الهيمنة على الجغرافيا المحيطة بإيران٬ فالرغبة الإيرانية التاريخية في الهيمنة كانت٬ وعلى مدى قرون منذ الصفويين مرو ًرا بالقاجاريين إلى آل بهلوي حتى نظام  أو شا ًها أو ولي فقيه٬ من أجل تبرير

الملالي٬ وسيلة من أجل تحقيق الارتباط التاريخي بين النظام الحاكم والجغرافيا كعقيدة استخدمها أغلب من حكم إيران أكان سلطانً دور النظام خارج الحدود٬ إلا أن رغبات إيران الجيوسياسية اصطدمت تاريخًيا بثوابت جغرافية جعلت الإيرانيين على مدى قرون يدفعون ثمن طموحات من حكمهم٬ مما انعكس سلًبا على الداخل الإيراني الذي راوح بين حاجة نظامه إلى استغلال الجغرافيا من أجل بقائه٬ وقدرة إيران كدولة وشعب على استيعاب ضرورات الجغرافيا وحمايتها٬ وهو ما بات يبرز جلًيا الآن في موقف أغلبية الإيرانيين من تحالفات النظام الذي ربط بين مصلحته كثورة والجغرافيا التي تؤمن استمراره٬ والدولة التي عطلتها الثورة ومنعتها من استغلال ثروتها بداعي الحفاظ على الجغرافيا.

وعليه٬ بات شعار «الموت لروسيا» الذي رفعه مئات الآلاف الذين خرجوا في تشييع الرئيس الإيراني الأسبق رئيس مصلحة تشخيص النظام الراحل الشيخ أكبر هاشمي رفسنجاني٬ أوضح تعبير عن الامتعاض الشعبي العام من سياسات نظام الثورة وتحالفاته الخارجية٬ فقد وقع أغلب من حكموا إيران أسرى المقتضيات الجغرافية السياسية٬ حيث لا يختلف الموقف الجيوسياسي للنظام الحالي عن الوضع الذي كان قائ ًما إبان الحكم القاجاري٬ الذي كان تحت الهيمنة الروسية التي استخدمت الجغرافيا كعامل إضافي في مواجهة النفوذ البريطاني المتعاظم حينها في إيران والخليج العربي والهند٬ فقد شكلت الثورة الدستورية سنة 1906 اللحظة المفصلية في علاقة النخب السياسية والاقتصادية الاجتماعية الإيرانية مع الحاكم القاجاري الفاسد والمستبد المدعوم من بطرسبورغ٬ التي وقفت إلى جانب مظفر الدين شاه القاجاري ضد مطالب الشعب الإيراني في وضع دستور لإيران٬ بعكس بريطانيا التي رحبت حينها بحذر٬ لكنها سارعت إلى توقيع اتفاقية سرية مع روسيا سنة 1907 من أجل تقاسم الهيمنة على إيران٬ وما سمح بزيادة التدخل الروسي في الشؤون الإيرانية حيث تم سنة 1908 إلغاء العمل بالدستور بعد أن قامت قوات القوزاق الروسية بقصف البرلمان٬ مما أدى إلى انفجار الوضع وقيام ثورة جديدة٬ حيث تمكن الثوار من إلحاق الهزيمة بالقوات الروسية والسيطرة على طهران٬ مما أجبر الحاكم القاجاري محمد علي شاه على الفرار إلى السفارة الروسية٬ ومن ثم تنازله عن العرش بمساعدة بريطانية٬ ولكن التدخل الروسي في الشؤون الإيرانية عاد بقوة عندما استعانت الحكومة الإيرانية بالخبير المالي الأميركي موركان شوستر ٬1911 الذي ُعّين مدي ًرا للخزينة بصلاحيات واسعة٬ والذي أخضع واردات الجمارك لسلطة الحكومة٬ ووضع حًدا للتدخل الروسي والبريطاني في الشؤون الاقتصادية والمالية٬ واستطاع شوستر إقناع طهران بالاستعانة بخبراء عسكريين أميركيين لتدريب قوات الجندرمة الإيرانية٬ مما دفع بطرسبورغ إلى توجيه إنذار شديد اللهجة إلى حكومة طهران طالبت فيه بطرد شوستر٬ وعندما رفض البرلمان الإيراني مطالب الروس٬ قامت قوات الجندرمة الإيرانية باحتلال البرلمان٬ وأبلغت الحكومة الإيرانية شوستر بالمغادرة٬ حيث استغلت روسيا الفوضى في طهران فقامت قواتها باحتلال ميناء انزلي على بحر قزوين ومدينة رشت وقصفت مدفعية القوزاق مرقد الإمام علي الرضا في مدينة مشهد.

بالنسبة لأغلب الإيرانيين٬ فإن النظام الحالي في علاقته مع الروس لا يختلف عن الحكم القاجاري٬ حيث يحاول النظام الإيراني ترسيخ تحالفه مع موسكو٬ مستنًدا إلى عمقه الجغرافي الذي يحتاج إليه كنظام ثوري٬ ضارًبا بمصالح الدولة التي تحاول كسر الحواجز الجغرافية التي تعطل دورة إنتاجها ونموها عرض الحائط. ولم يعد خافًيا أن المواجهة المقبلة في إيران بين متلازمتين؛ «الثورة والجغرافيا» و«الدولة والثروة»٬ وإذا كانت الثورة بحاجة إلى الجغرافيا من أجل بقائها٬ فإن الثروة باتت بحاجة إلى الدولة من أجل استغلالها٬ ومن هنا فإن إصرار الشعب الإيراني على رفض تحالفات نظامه ليس من باب الكيدية فقط٬ بل لأنه يدرك جيًدا أن الثروة هي من شأن الدولة٬ ولها الحق في كيفية إنتاجها والاستفادة من عائداتها ضمن نظام مصالح يفتح إيران على جوارها وعلى العالم٬ ضمن رؤية تقدم المنافع الوطنية على العقائد الثورية مما سيؤثر على طبيعة النظام٬ ويؤدي إلى تصادم حتمي بين المتلازمتين.

المصدر : صحيفة الشرق الأوسط

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران «الثورة والجغرافيا» في مواجهة «الدولة والثروة» إيران «الثورة والجغرافيا» في مواجهة «الدولة والثروة»



GMT 13:21 2019 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

معركة اللبنانيين لبناء جمهورية يستحقونها

GMT 14:11 2019 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

العراق... ثلاثية الجيش والشعب والمرجعية

GMT 12:10 2019 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران بين الصبر الاستراتيجي والاقتصاد المقاوم

GMT 06:11 2019 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان بين صيغتين

GMT 05:17 2019 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان... الطريق إلى الجمهورية الثالثة

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya