سورية بين سذاجة كيري وصلف لافروف

سورية بين سذاجة كيري وصلف لافروف

المغرب اليوم -

سورية بين سذاجة كيري وصلف لافروف

بقلم : مصطفى فحص

اختار وزير الخارجية الأميركي جون كيري وجبة البيتزا ليقدمها للصحافيين الذين انتظروه ونظيره الروسي سيرغي لافروف طويلاً ليلة مباحثاتهما الشاقة، التي توجت باتفاق هدنة في سوريا. اتفاق أنجزه الجانب الأميركي على طريقة الوجبات السريعة، التي تقدم عادة إما للذين ليس لديهم معرفة بتحضير الموائد، أو الذين على عجلة من أن يداهمهم الوقت في العمل أو في طريق السفر، والتقديران يشبهان الحالة التي تمر بها إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، التي تحاول التوصل وبأي ثمن إلى إنجاز سريع بما تبقى لها من وقت ضائع.

أما في الجهة المقابلة يرفع سيرغي لافروف قدح الفودكا ليتلو على الحضور «tost ،«والتوست في العادات الروسية عبارة عن قول أو أمنية أو موقف يقوله كبير الجالسين على الطاولة احتفاء بتحقيق إنجاز مهم أو توقيع اتفاق، وهو الموقع الذي استحقه لافروف بجدارة لحظة توقيعه على اتفاق الهدنة في سوريا، موقع المنتصر الذي أرغم نظيره الأميركي على القبول بوجهة نظره، في استعادة لممارسات سلفه السوفياتي العنيد أندريه غروميكو (1957 ­ 1985 ،(ولكن من دون الاعتماد على ترسانة عسكرية سوفياتية في مقدمتها مشروع «يانغل» للصواريخ العابرة للقارات، التي حققت التوازن الاستراتيجي للسوفيات، وكانت العصا الغليظة التي لوح بها غروميكو في مواجهة خصوم بلاده الغربيين خلال الحرب الباردة.

بالنسبة إلى لافروف، مواقف جون كيري وإدارة البيت الأبيض هي نسخة مطابقة تماًما للمواقف الانبطاحية التي مارسها أندريه كوزيرف أول وزير للخارجية الروسية في عهد الرئيس بوريس يلتسين، والتي أنهت توازن القطبين، ورضخت للشروط الأميركية من موقع المهزوم في الحرب الباردة، فيما يمارس جون كيري من موقع العاجز، كي لا نقول المهزوم في سوريا، سذاجة دبلوماسية تفتقر إلى الحد الأدنى من المعرفة بتعقيدات المنطقة وشروطها، فيبشر السوريين باتفاق جله يقوم على تصنيف أغلبيتهم، التي تنتمي إلى الأغلبية العربية والإسلامية، إلى إرهابيين أو مدافعين عنهم أو متعاونين معهم، ويحذرهم من أن طيران بلاده الحربي مع الشركاء الروس سيقوم بضرب مواقع الجماعات الإرهابية، حتى لو صعب فصلها عن الجماعات المعارضة المعتدلة، ويتكل في هذه الخطة على صواريخ بلاده الذكية، التي قد تكون في اعتقاده تمتلك القدرة على التمييز بين المتطرف والمعتدل، وتتجنب السقوط وسط الأحياء المدنية، فلعله يصدق ما قاله عضو مجلس الأمن القومي الروسي أندريه كاكوشين عن الفرق بين الصواريخ الأميركية والروسية، بأن الأولى تمتاز بدقة الإصابة، أما الثانية فبحجم الإصابة، فهي تخّلف وراءها عادة دماًرا شاملاً! ولا يتردد كيري في الإفصاح علًنا هذه المرة بناًء على رغبة لافروف، أنه لا بد من الاعتراف بأن بشار الأسد شريك في الحرب
على الإرهاب، ولكن ضمن ضوابط وضعتها موسكو، لم تتبدل منذ اللحظة الأولى للثورة السورية، حيث اعتبرت كل من خرج عن نظام دمشق إرهابًيا، كما يعد كيري أهالي 600 ألف قتيل سوري بأن سلوك الأسد قد يتغير، وهذا ما سنشهده قريًبا عندما يتوقف عن رمي البراميل فوق رؤوس المواطنين وسيستخدمها فقط ضد من يعتبرهم هو إرهابيين!!

بين العنجهية الدبلوماسية والثقة الزائدة، وصلف في الإنكار والتنكر لحقوق الدول والشعوب، يستخدم لافروف خبرته التي اكتسبها من أروقة الدبلوماسية العالمية في نيويورك، والتي تَوجها بموقعه الحالي، ليشغل العالم بما فيه الدولة التي اعتبرت الأقوى في العالم قبل أن يحكمها أوباما بمناوراته،ُيقصي أطراًفا دولية، ويستثني مؤثرين إقليميين، ويصل إصراره وصلفه إلى تحميل الشعب السوري مسؤولية ما جرى له ولبلاده، بينما يغرز كيري رأسه أكثر في الرمال، لا يريد أن يرى ولا أن يسمع، فمن فوقه طائرات بوتين ومن حوله مرتزقة قاسم سليماني، التي يكاد رئيسه أن يؤمن بأنهم المدافعون عن الليبرالية العالمية، وعلى الرغم من تصنيفه الخجول لسليماني ومسلحيه على قائمة الإرهاب، لكنه يعتبره إرهاًبا يمكن السيطرة عليه، فهو
منظم وبرعاية رسمية، وهذا دليل كاٍف وصريح لاعتباره إرهاب دولة، لكنه بالنسبة لأوباما أفضل من الإرهاب الآخر المتعدد الأطراف والانتماءات والرعاية المجهولة. عليه، وفي ضوء تخلي واشنطن التدريجي عن دورها، واقترابها من موقف المحايد الذي يمنحها القدرة على المجاهرة بأنها باتت على مسافة واحدة من طرفي النزاع، وتفضل حلاً يقوم على صيغة لا غالب ولا مغلوب، والتسليم بالأمر الواقع الإيراني، يصبح غياب جون كيري عن اجتماع لندن الأخير لدعم المعارضة السورية، واستياء بعضُصناع القرار في البيت الأبيض من الموقف البريطاني السعودي التركي المتشدد من مستقبل الأسد، أمًرا مفهوًما ولا يحتاج الشعب السوري إلى تفسيره، بل إلى الرد عليه من خلال التمسك بثوابته السياسية واستمراره في المقاومة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سورية بين سذاجة كيري وصلف لافروف سورية بين سذاجة كيري وصلف لافروف



GMT 13:21 2019 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

معركة اللبنانيين لبناء جمهورية يستحقونها

GMT 14:11 2019 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

العراق... ثلاثية الجيش والشعب والمرجعية

GMT 12:10 2019 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران بين الصبر الاستراتيجي والاقتصاد المقاوم

GMT 06:11 2019 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان بين صيغتين

GMT 05:17 2019 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان... الطريق إلى الجمهورية الثالثة

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 19:14 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العقرب

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 15:33 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الجوزاء

GMT 19:14 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

جون تيري يكشف مميزات الفرعون المصري تريزيجيه

GMT 17:27 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وضع اللمسات الأخيرة على "فيلم مش هندي" من بطولة خالد حمزاوي

GMT 22:05 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

إليك كل ما تريد معرفته عن PlayStation 5 القادم في 2020

GMT 05:54 2017 الأربعاء ,12 إبريل / نيسان

بسمة بوسيل تظهر بإطلالة العروس في أحدث جلسة تصوير

GMT 09:38 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

خلطات منزلية من نبات الزعتر الغني بالمعادن لتطويل الشعر

GMT 16:41 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

لمحة فنية رائعة من صلاح تسفر عن هدف

GMT 12:21 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

محمد يتيم يعود للكتابة بالدعوة إلى "إصلاح ثقافي عميق"
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya