العراق عشية 14 من آذاره

العراق عشية 14 من آذاره

المغرب اليوم -

العراق عشية 14 من آذاره

مصطفى فحص
بقلم - مصطفى فحص

شكّل إعلان التحالف السياسي ما بين كتلتي «سائرون» بزعامة السيد مقتدى الصدر، و«الفتح» التي تضم فصائل الحشد الشعبي، ضربة سياسية ومعنوية للحراك المدني العراقي، الذي راهنت بعض أطرافه على نتائج الانتخابات البرلمانية لتشكيل تحالفات سياسية تحت قبة البرلمان، تعكس أحجام مكوناتها وبرامجها داخل تركيبة الحكومة العتيدة، فقد قطع تحالف «الفتح – سائرون» الطريق على إمكانية تشكيل أغلبية وطنية عابرة للطوائف، وأعاد الأمور إلى المربع الطائفي المتمسك بالمحاصصة. فالعودة إلى تفاهم المكونات الطائفية والعرقية عبر الكتل الطائفية أو القومية الكبرى، ضربة موجعة لدعوات إصلاح مؤسسات الدولة من الداخل، عبر حكومة أغلبية وطنية مطعمة بشخصيات تكنوقراط أو خبراء، تشكل البديل المُلِح للعراق والعراقيين، بعد سنوات من فشل حكومات التوافق الوطني المتعاقبة في إدارة البلاد سياسياً، وأمنياً، واقتصادياً. وعليه، فإن الأوساط المدنية والعلمانية واليسارية والشيوعية، وحتى الإسلامية المعتدلة (السنية والشيعية) تمرّ بخيبة أمل جرّاء التحولات في مواقف بعض الأحزاب والتيارات السياسية، التي انضمت في السنتين الأخيرتين إلى الحراك المدني، وتبنت الشعارات التي رفعها الحراك بوجه أحزاب السلطة، وأيدت مطالبه بعملية إصلاح ومحاسبة واسعة، وعلى الأرجح فإن الموقف الحرج الذي تعرضت له النخب المدنية واليسارية المؤثرة في صناعة الرأي العام العراقي، سيدفعها إلى إعادة ترتيب أولوياتها، استعداداً لمواجهة صعبة ومكلفة مع أغلب أجنحة السلطة التي نفذت عملية اغتيال معنوي للحراك المدني، الذي لم ولن تتناسب مطالبه الإصلاحية مع مصالح أطراف السلطة وارتباطاتها الخارجية. ففي اللحظة المناسبة أظهر الخارج المتمسك بوصايته الكاملة على العراق قدرته على الحسم، واستخدم أساليبه الخاصة في احتواء الأطراف المشاكسة التي حاولت أن تتبنى حركة الاعتراض، مبرراً موقفه بصعوبة المرحلة غير المناسبة للقيام بخطوات جريئة يطالب بها الشارع العراقي، نظراً للظروف الإقليمية والدولية التي تهدد مصالحه الجيوسياسية واستقرار نظامه، وترهيب الداخل العراقي بفوضى تطيح بما تبقى من العملية السياسية.
في حسابات الحقل، نجح عقل الهيمنة الإيرانية في إخضاع العراق وربطه استقراره السياسي بمستقبل صراعات المنطقة، التي ستنعكس تطوراتها مباشرة على الوضع العراقي، ربما بما لا يناسب طهران، التي تتصرف كأنها تلعب الآن ورقتها الأخيرة في بغداد، من خلال فرض حكومة عراقية على قياساتها الخاصة، دون الأخذ بعين الاعتبار مجموعة متغيرات داخلية وخارجية كبيرة. تصرفات طهران تعيد إلى الأذهان سياسة التعنت التي مارسها نظام بشار الأسد في لبنان بعد 11 سبتمبر (أيلول)، واحتلال أفغانستان والعراق، عندما قرر فرض تمديد ولاية الرئيس اللبناني الأسبق إميل لحود، في تحدٍ مباشر لرغبة محلية ودولية في انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية، رافقه الاستخفاف بالإمكانات اللبنانية الذاتية التي أسس لها في ذلك الوقت بيان المطارنة اللبنانيين الشهير سنة 2001، حول الوجود السوري في لبنان، إضافة إلى بروز تجمع سياسي مسيحي معارض ومنظم سُمي لقاء قرنة شهوان، الذي نسج تعاوناً سياسياً عميقاً مع الزعيم الدرزي وليد جنبلاط ورئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، حيث بدأ الإعداد لنواة جبهة معارضة وطنية بوجه الوصاية السورية على لبنان. فقد شكل تاريخ 14 فبراير (شباط) 2005 يوم الاغتيال الكبير، موعداً تأسيسياً لما عُرف بعد شهر بانتفاضة الاستقلال الثاني، نهار 14 مارس (آذار)، كرد فعل وطني على جريمة اغتيال الحريري التي أدت تداعياتها إلى إنهاء الوصاية السورية، وانسحاب جيش الاحتلال السوري من لبنان.
عملياً، قررت طهران اغتيال الحراك المدني العراقي الذي يحظى بقاعدة شعبية واسعة، وبتأييد سياسي قوي، قبل أن يشكل حالة وطنية جامعة بوجه وصايتها، لذلك قامت بما يشبه عملية تصفية سياسية له قبل أن يشتد عوده بعد وصول ممثلين له إلى البرلمان عبر التحالف مع التيار الصدري، وحصوله على غطاء مرجعية النجف التي رفعت شعار «المجرب لا يُجرب» الذي يمكن تفسيره بأنه يطال الطبقة السياسية العراقية التي فرضتها طهران منذ 2003.
تاريخ العراق الحديث مليء بالمحطات المفصلية، من انقلاب بكري صديق، إلى الوثبة، والفرهود، و14 يوليو (تموز)، و14 رمضان، والانقلاب على الانقلاب في 30 يوليو، إلى قاعة الخلود، حتى 9 أبريل (نيسان) 2003، تاريخ سقوط البعث في العراق، والإيذان بخروجه من لبنان، كجزء من التداعيات العالمية لاعتداءات منهاتن، ما يعني أن الاحتياطات الإيرانية في العراق، كما السورية في لبنان، لن تنجح في الحفاظ على امتيازاتها في حال وقوع تحولات دولية لها تداعيات إقليمية، تتسبب بانتقال المبادرة إلى يد القوى العراقية المدنية وبعض السياسية، التي باتت تترقب حدثاً مفصلياً سيُحدد تداعياته موعد الرابع عشر من مارس بنسخته العراقية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العراق عشية 14 من آذاره العراق عشية 14 من آذاره



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:03 2014 الخميس ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فوائد الجوز " عين الجمل " لا يعلمها إلا القليلون

GMT 12:28 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الفرسان يتطلعون للفوز بثاني جولات بطولة "هذاب"

GMT 06:07 2017 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

سيت الأفضل لقضاء شهر عسل لتميزها بالمناظر الجذابة

GMT 03:45 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

مديرة الأزياء جين ماكفارلاند تستعرض مجموعة كافالي

GMT 06:22 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تصنف المغرب أبرز مُصدّري اليهود منذ استقلال المملكة

GMT 00:00 2014 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

" أوراق بوكافر السرية " جديد الكاتب ميمون أم العيد

GMT 23:10 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رشيد غفلاوي سعيد بانضمامه إلى فريق الساحل النيجيري

GMT 23:08 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

المهاجم فيصل عجب يثبت جدارته مع نادي التضامن

GMT 17:14 2016 الجمعة ,01 إبريل / نيسان

سر إغماض العيون أثناء تبادل القبل على الشفاه

GMT 10:51 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنان أمير كرارة يفاجئ المعجبين بإطلالة مختلفة تمامًا

GMT 17:38 2015 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

عبدالفتاح الجريني يحضر لديو غنائي مع العالمي مساري

GMT 03:16 2015 الجمعة ,22 أيار / مايو

شاطئ مرتيل يلفظ أحد ضحايا موسم الاصطياف

GMT 08:17 2017 الأربعاء ,30 آب / أغسطس

إخلاء السفارة الكندية في برلين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya