طهران والاثنا عشر شرطاً

طهران والاثنا عشر شرطاً

المغرب اليوم -

طهران والاثنا عشر شرطاً

مصطفى فحص
الرباط - المغرب اليوم

وأخيراً أدركتْ طهران أن مرحلة السماح الأميركي شارفت على نهايتها، وأنها أمام مشهد إقليمي ودولي مختلف تماماً عن الاثنتي عشرة سنة التي مضت، تمكنت خلالها من تجيير اندفاعة جورج بوش الابن لصالحها إقليمياً، وفي استثمار انكفاء باراك أوباما دولياً، معادلة مكنتها من شرعنة نفوذها الإقليمي تحت غطاء دولي بعد نجاحها في ربطه بالاتفاق النووي، الذي فرضه الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما على حلفائه الأوروبيين والتقليديين في الشرق الأوسط تحت ذريعة أن القبول باتفاق سيئ أفضل من عدم وجوده أبداً. 

فالإنذار الأميركي الأخير لطهران بضرورة تغيير سلوكها لم يعد بحاجة لتأويل أو تفسير، بعدما أعلن وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو عن استراتيجية بلاده الجديدة حول التعامل مع إيران، التي تضّمنت شروطاً تعجيزية على طهران لكي تتجنب المواجهة الاقتصادية والدبلوماسية مع واشنطن، إضافة إلى عدم عزلها دولياً.

الجديد في شروط واشنطن الاثني عشر أنها تمس جوهر النظام وتهدد بقاءه، أكثر مما هي معنية بإصلاح بنود الاتفاق النووي أو التوصل إلى اتفاق جديد، بعدما تضمنت استراتيجية بومبيو إشارات هي الأخطر منذ عام 1979 حول مستقبل النظام، التي التقطها أحد كبار الشخصيات الإيرانية الذي صرح لوكالة «رويترز» قائلاً: «أميركا تريد الضغط على إيران للإذعان وقبول مطالبها غير المشروعة. تصريحات بومبيو تثبت أن أميركا تسعى بالتأكيد لتغيير النظام في إيران».

بين اثني عشر شرطاً قاسياً، وبين هامش مرونة أميركية ضعيف لوّحت به فقط من أجل إبقاء متسع ضئيل أمام الجهود الدبلوماسية في اللحظات الأخيرة، نجحت واشنطن في تحويل خلافها مع طهران حول مشروعها النووي إلى أزمة إيرانية داخلية، في بلد يعاني من انقسام عامودي بين نخبه السياسية المنقسمة بدورها بين جهات مطالبة بضرورة الاستجابة جزئياً للشروط الأميركية تفادياً لما هو الأسوأ، وبين أطراف تعتقد أن الأسوأ قد وقع، وأن إيران دخلت فعلياً مرحلة المواجهة التي تجنبتها كافة الأطراف في السابق، بسبب تكاليفها القاسية والمرتفعة بشرياً ومادياً، والتي لو حصلت ستتسبب بخسارة طهران لكثير من أوراقها الخارجية وإلى زعزعة تماسكها الداخلي، خصوصاً أن الداخل الإيراني لم يعد مطمئناً بعد موجة الاحتجاجات المعيشية والخدماتية التي عمت المدن الإيرانية الكبرى اعتراضاً على تردي الأوضاع الاقتصادية والمالية منذ بداية السنة الحالية، والتي من المتوقع أن تعود الموجة الثانية منها، ولكن بشكل أضخم وأوسع في حال قامت واشنطن بتنفيذ تهديداتها بفرض عقوبات اقتصادية ومالية هي الأكثر شدة في التاريخ وفقاً لتصريح بومبيو، الذي قال: «سنمارس ضغوطاً مالية غير مسبوقة على إيران، والعقوبات ستزداد إيلاماً ما لم تغير إيران مسارها».

بعد اثني عشر عاماً على تراجع الدور الأميركي في منطقة الشرق الأوسط، الذي بدأ مع الولاية الثانية لجورج بوش الابن، وتبلور أكثر في مرحلة باراك أوباما، أعادت الاثنا عشر شرطاً التي عرضها بومبيو، واشنطن، إلى ساحة الشرق الأوسط من بوابة التلويح بالحرب إذا فشلت العقوبات في إجبار طهران على تغيير سلوكها المرتبط بنفوذها الخارجي، الذي تحول إلى أبرز أزماتها في علاقتها بجوارها الإقليمي. فنظام طهران القائم أساساً على فكرة تصدير الثورة، الذي بات يربط بينها وبين مدى الصواريخ الباليستية في مشروعه الجيوسياسي التوسعي، الذي أدى إلى زعزعة استقرار المنطقة، ما جعله أحد أبرز الشروط الأميركية المطلوب تنفيذها إيرانياً، إلا أن قرار وقف التوسع الإقليمي يتطلب جرأة إيرانية غير متوفرة، أشبه بتلك اللحظة التي تجرأ فيها آية الله الخميني بتجرع كأس السم حماية للثورة والدولة، وتجنباً لمزيد من الخسائر المادية والبشرية. في ثمانينات القرن الماضي كانت النخب السياسية الإيرانية الأولى أكثر براغماتية وأقل آيديولوجية تسعى إلى حماية مصالح النظام الدولة والشعب، وكان الجنرالات إما على الجبهات، وإما في الثكنات ملتزمين قرار مرشدهم عدم التدخل في السياسة، بينما تمارس «العسكريتاريا» الإيرانية المؤثرة والقريبة من صناعة القرار دوراً سلبياً في زيادة التوترات من خلال تحديها المستمر للإرادة الدولية الإقليمية، وتمسكها بخيارات التعنت والمراوغة واللعب على حافة الهاوية.

من المؤكد أن الجيش الأميركي يمر بحالة تضخم عسكرية، وهو بحاجة إلى أن يستعرض قوته لاستعادة هيبته بعد سلسلة إحباطات جرت في العراق وأفغانستان، لذلك فإن الترسانة العسكرية الأميركية المتضخمة، هي بحاجة أصلاً إلى مناورة بالرصاص الحي من أجل تفريغ طاقتها، وبات تجنبها السبيل الوحيد للبقاء في عالم يتغير فيما جنرالات الأعراس في طهران الأشبه بجنرالات القيصر، كما وصفهم الأديب الروسي الكبير تشيخوف، لم يتغيروا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طهران والاثنا عشر شرطاً طهران والاثنا عشر شرطاً



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:55 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الميزان

GMT 04:16 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

زكي يوجه رسالة قوية إلى مسؤولي الدفاع الحسني الجديدي

GMT 14:34 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

"بريزنتيشن" تؤكد أن مُبررات "صلة" في شأن فسخ تعاقدها غير الصحة

GMT 08:32 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

"الأساور العريضة" تصلح لمختلف مناسبات صيف 2018

GMT 11:37 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ياسمين جمال ترتدي فستان الزفاف للمرة الثانية بعد الطلاق

GMT 01:48 2016 السبت ,08 تشرين الأول / أكتوبر

علاج الشيب نهائياً وبألوان مختلفة

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 04:16 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

المغرب يشهد نهضة غير مسبوقة في مجال التنقيب عن النفط

GMT 06:33 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على الفوائد المذهلة لثمرة الرمان على الصحة

GMT 17:22 2019 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

احصلى على أسنان ناصعة البياض فى المنزل

GMT 13:30 2019 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

عربية السيدات تعتمد جوائز خاصة للفرق الرياضية

GMT 23:33 2018 الأحد ,21 تشرين الأول / أكتوبر

موعد الكشف عن "بوجاتي تشيرون سوبر سبورت" الجديدة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya