إيران واستعصاء النجف

إيران واستعصاء النجف

المغرب اليوم -

إيران واستعصاء النجف

بقلم - مصطفى فحص

على أبواب النجف، استشعرت طهران الخطر، وأيقنت أن الطريق إلى قلب المدينة أصبح عسيراً، بعدما اتضح للزائر الإيراني أن غضب مراجعها الأربعة ليس عابراً، فاضطر مبعوث مرشد الجمهورية الإيرانية، رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام آية الله محمود هاشمي الشهرودي إلى العودة من حيث أتى دون أن ينال بركاتهم، فقد أقفلوا أبوابهم بوجهه كما أقفلوها بوجه الكثير من المسؤولين الإيرانيين والعراقيين الذين حمّلوهم مسؤولية ما وصلت إليه أوضاع البلاد والعباد، فالنجف المستاءة أصلاً من تدخلات الشهرودي المستمرة منذ سنوات في تركيبتها الحوزوية، ومحاولاته فتح مكتب له لاستقطاب طلاب العلم، ومنافسة مراجعها والتأثير على مناهجها الفقهية التي ترفض بالمطلق ما جاء من أجله الشهرودي في الدعوة العلنية إلى أن تتبنى مدارس النجف الفقهية الدعوة إلى ولاية الفقيه؛ وذلك بهدف التمهيد لاستيلاء طهران على القرار السياسي للنجف وربطه بها، وترافق ذلك مع ترويج إيراني للشهرودي كوريث للمرجعية العظمى في النجف بعد رحيل الإمام السيستاني؛ الأمر الذي وُوجِه برفض كامل من قبل الحوزة التي حذرت طهران من تداعيات محاولاتها وضع اليد على النجف. وقد أثار الشهرودي غضب النجف بعد انتقاداته المسيئة لدورها وموقعها، وقوله إن: «الحوزة العلمية في النجف تمر بمرحلة صعبة، وبأنها قد ماتت»؛ الأمر الذي اعتبر تدخلاً غير مسموح في شؤونها ومحاولة إيرانية رسمية لإلحاقها بقُم التي تبقى بالنسبة للنجف فرعاً مهماً علا شأنها وكبر دورها، ولا يمكن للفرع أن يكون بديلاً عن الأصل، خصوصاً أن الأصل وعلى الرغم مما مرّ عليه من حصار واضطهاد في زمن البعث، ومن ثم تحمل للأعباء السياسية والاجتماعية جرّاء ضعف السلطة في بغداد في السنوات العشرة الأخيرة، فإنه نجح في التعافي والعودة للعب دوره التاريخي، وساعد بغداد على استعادة زمام المبادرة، فوجدت طهران نفسها أمام معادلة بغداد - النجف التي تشكل مدخلاً لاستقطاب عربي إسلامي شيعي عابر للحدود والجنسيات، والذي من الطبيعي أن ينافس مشروع طهران - قم السياسي العقائدي المرفوض خارجياً والمربك داخلياً.
طهران المصرّة على فرض إرادتها على العراقيين دفعت بالشهرودي إلى الواجهة من جديد، بعدما تصاعدت حدة السجال بينها وبين النجف حول صفقة نقل الدواعش من الحدود اللبنانية إلى الحدود العراقية، ورفض المرجعية قتال العراقيين في سوريا، واعتبار وجودهم هناك مخالفة للفتوى التي أصدرها الإمام السيستاني سنة 2014 في الدفاع عن العراق فقط، فباتت في حاجة إلى استعراض قوتها، وإظهار أنها لم تزل ممسكة وحدها بالورقة الشيعية العراقية، وتجلى ذلك من خلال إصرار الشهرودي على دعوة الأطراف السياسية العراقية الشيعية إلى دخول الانتخابات البرلمانية موحَدين ضمن قائمة التحالف الشيعي، وهو ما عجز عن تحقيقه بعد أن رفض السيد مقتدى الصدر لقاءه، وتمسك السيد عمار الحكيم بخياراته السياسة الجديدة، حيث لم تكن نتائج لقائه بالشهرودي بمستوى الطموحات، وعلى ما يبدو أن الأخير قد خاب ظنه أيضاً بالعبادي الذي أجّل الإجابة عن الكثير من مطالبها، لكنه كان واضحاً أن لا دور ولا مكان لنوري المالكي في التركيبة الجديدة. كما لم يستطع الشهرودي إخفاء امتعاضه من رعاية النجف للتقارب العراقي السعودي الذي بات يقلق طهران فعلياً.
في التوقيت المناسب اختار الإمام السيستاني رفع البطاقة الحمراء بوجه إيران، وإغلاق باب بيته بوجه موفدها، في أوضح تعبير عن عمق الخلاف معها نتيجة محاولتها فرض أجندتها الخاصة على العملية السياسية؛ فقد تمكنت المرجعية هذه المرة من وضع حدّ لشهرودي وتدخلاته، وأكدت على استقلاليتها، وبأنها جاهزة لمواجهة أي محاولة لاختراقها، داخلية كانت أم خارجية، وكما أنها أنهت آماله في الإقامة في النجف، وأجبرت الإيرانيين على الحذر في التعامل معها. ومن الطبيعي أن تتأثر بغداد بموقف النجف الصلب التي عاد منها الشهرودي بخُفي حُنين، حيث لم يجد غير نوري المالكي وبعض قادة ميليشيات الحشد الشعبي يقفون في صفه، فحمل معه إلى طهران خيبة أمل كبيرة، وعجزاً واضحاً لن تتقبله طهران بسهولة، وهي تملك الكثير من أوراق القوة التي ستمكنها من الدفاع عن مصالحها، حتى لو أدى ذلك إلى صراع علني بينها وبين ثنائية النجف - بغداد، أو أدى إلى صراع شيعي - شيعي، نتيجة قلقها الجيوسياسي من موقع العراق الجغرافي، الذي شكل لها تاريخياً عقدة عثمانية عربية أعطتها في الاجتماع وأخذت منها في السياسة... حيث للحديث صلة في آخر تتمة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران واستعصاء النجف إيران واستعصاء النجف



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:14 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج القوس

GMT 15:51 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج العذراء

GMT 11:04 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج العذراء

GMT 00:58 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

دراسة تحدّد الأطفال الأكثر عرضة لخطر السكري من النوع الثاني

GMT 19:55 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

رشيد دلال مساعدا للكيسر في تدريب أولمبيك آسفي

GMT 05:10 2016 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تستضيف أعمال الفن العربي الحديث في متاحفها

GMT 07:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

غوايدو يدعو الفنزويليين للاحتجاجات ضد مادورو

GMT 17:50 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وهبي يراسل وزير الصحة بشأن غياب دواء مرضى السرطان

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya