همدان ونظام المصالح الإيرانية

همدان.. ونظام المصالح الإيرانية

المغرب اليوم -

همدان ونظام المصالح الإيرانية

بقلم : مصطفى فحص

تتصرف إيران كأنها استثناء، ثورة تتجاوز الدولة ولا تعترف بالجغرافيا، وهي معادلة يبذل نظام ولاية الفقيه إمكانيات كبيرة من أجل فرضها على المجتمع الدولي، بهدف الحصول على موقع شبه آمن لنفسه على الخارطة الإقليمية والدولية. فإيران المسكونة تاريخيا بهاجس الخوف من جوارها، جوار فرض شروطه على من مَّر على حكمها منذ 5 قرون، وإلى الآن، وأجبرت على تجرع السم في محطات كثيرة اعتقدت أنها قادرة على تخطي حدودها السياسية والعقائدية، عادت من جديد في لحظة استشعار بالغلبة لم تدم طويلا

للتعامل مع جوارها بفوقية، كأنها الوحيد الثابت في مرحلة أصبح جميع من حولها شبه متغير، فتجاوزت كل المعايير الآيديولوجية والأخلاقية التي رفعتها من أجل أن تحقق نخبتها الحاكمة أهدافها التوسعية، حتى لو نال ذلك من سيادتها، ولهذا لم تتردد بفتح قاعدة همدان الجوية أمام القاذفات الاستراتيجية الروسية، لعلها تساعدها على استعادة هيبتها العسكرية التي خسرتها في سوريا.

تاريخًيا، الموافقة الإيرانية على استخدام القوات الجوية الروسية قاعدة همدان من أجل تحقيق طهران أهداًفا جيوسياسية، ليست أول تجاوز إيراني للسيادة الوطنية، فقد عمل شاه عباس الصفوي على استدراج القياصرة الروس إلى تحالفات عسكرية واقتصادية بوجه السلطنة العثمانية التي توسعت حينها على حساب الطموحات الروسية والإيرانية، فاستجابت موسكو لعروض شاه عباس، وقامت بإيفاد بعثة دبلوماسية وعسكرية إلى أصفهان، من أجل مناقشة النقاط المشتركة بين الدولتين في مواجهة التوسع العثماني، إلا أن رئيس الوفد الروسي الأمير ألكسندر زاسيكين لم يقتنع حينها بوجهة نظر الصفويين، مما أدى إلى عرقلة التوصل إلى اتفاقية عسكرية مشتركة، والاكتفاء باتفاق شفوي يقوم على تنسيق الجهود الحربية بينهما في مواجهة الأتراك. كما لم تتردد الإمبراطورة آنا إيفانوفا (1693 – 1740 (في إلغاء بنود معاهدة بطرسبرغ 1723 ،وقامت بإعادة السيادة الإيرانية على إقليم قزوين، إضافة إلى إمارتي «دربند» و«باكو»، مقابل أن تقف الدولة الصفوية إلى جانب الإمبراطورية الروسية في حربها المقدسة ضد الخلافة العثمانية.

وعليه، بعد أن أكد المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، بهرام قاسمي، أنه بإمكان موسكو استخدام قاعدة «نوجيه» الجوية في همدان متى ما أرادت، حسب اتفاق غير مكتوب بين البلدين، لم تعد مستغربة السهولة التي برر بها نظام طهران قراره أمام الشعب الإيراني، إضافة إلى تأكيد أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، الأميرال علي شمخاني، أن الطيران الروسي الذي انطلق من همدان، وتدخل أخيًرا في حلب، هو بطلب من طهران لدعم العمليات البرية التي تنفذها القوات الإيرانية ضد الفصائل المعارضة السورية المسلحة. وهنا، يصبح بالإمكان وضع هذا التصريح ضمن سياق العلاقات التاريخية المشبوهة بينهما، التي بقيت طوال 5 قرون في إطار نفعي أشبه بالزبائنية السياسية، يكشف الهوة بينهما، وانعدام الثقة التي كانت تاريخيا العائق الفعلي أمام إمكانية التوصل إلى تحالف استراتيجي بين إيران وروسيا، ولو لمدة قصيرة،

فطهران لم تزل محكومة إلى اليوم باتفاقية وقعتها مع موسكو سنة 1921 ،وهي اتفاقية تحتاج إلى موافقة كلا الطرفين لإلغائها، حيث تتخلى بموجبها الجمهورية الروسية السوفياتية الفيدرالية الاشتراكية عن كل أملاك روسيا القيصرية، من منشآت صناعية واقتصادية وتجارية ومصرفية وسكك حديد وطرقات في إيران للدولة القاجارية، مقابل السماح لموسكو بالتدخل العسكري في الشمال الإيراني في حال حصل أي تدخل عسكري أجنبي، وخصوًصا بريطانيا في باقي المناطق الإيرانية، وهذه الاتفاقية كانت بمثابة المسّوغ القانوني الذي أعطى الذريعة للسوفيات للدخول إلى شمال إيران، والإنجليز إلى جنوبها، سنة 1941 ،خلال الحرب العالمية الثانية، حيث تمكنا من الضغط على الشاه رضا بهلوي من أجل التنحي، بعد أن أظهر رغبة في
التعامل مع دول المحور.

تتجاوز البراغماتية الإيرانية في الدفاع عن نظام مصالحها حدود المألوف، وتكاد تصبح حالة مرضية مستعصية يعاني منها النظام في طهران، الذي يمر من سنوات بمرحلة انفصام سياسي وعقائدي تضع كثيًرا من الشكوك حول سيرته ومسيرته، حيث تكثر الدلائل على أنه لا يلتزم بأي اعتبارات فكرية أخلاقية أو عقائدية أو سياسية من أجل الوصول إلى غايته، فمن تحالفه مع القذافي الذي خطف الإمام موسى الصدر، إلى عدم تردده في شراء السلاح من إسرائيل، بالقضية التي عرفت حينها بفضيحة «إيران غيت»، مرورا بالرفض المطلق للاتهامات التي وجهتها الحكومة العراقية للمخابرات السورية، بعد أن ثبت ضلوعها في تفجير وزارة الخارجية العراقية في بغداد سنة 2009 ،إلى دعم تمرد «الحوثي ­ صالح» في اليمن، وبشار
الكيماوي في سوريا، وهو يؤكد بذلك أنه لن يعدم وسيلة من أجل تحقيق غاياته، دفاًعا عن نظام يشعر أنه دائما مهدد ومحاصر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

همدان ونظام المصالح الإيرانية همدان ونظام المصالح الإيرانية



GMT 13:21 2019 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

معركة اللبنانيين لبناء جمهورية يستحقونها

GMT 14:11 2019 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

العراق... ثلاثية الجيش والشعب والمرجعية

GMT 12:10 2019 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران بين الصبر الاستراتيجي والاقتصاد المقاوم

GMT 06:11 2019 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان بين صيغتين

GMT 05:17 2019 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان... الطريق إلى الجمهورية الثالثة

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 19:14 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العقرب

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 15:33 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الجوزاء

GMT 19:14 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

جون تيري يكشف مميزات الفرعون المصري تريزيجيه

GMT 17:27 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وضع اللمسات الأخيرة على "فيلم مش هندي" من بطولة خالد حمزاوي

GMT 22:05 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

إليك كل ما تريد معرفته عن PlayStation 5 القادم في 2020

GMT 05:54 2017 الأربعاء ,12 إبريل / نيسان

بسمة بوسيل تظهر بإطلالة العروس في أحدث جلسة تصوير

GMT 09:38 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

خلطات منزلية من نبات الزعتر الغني بالمعادن لتطويل الشعر

GMT 16:41 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

لمحة فنية رائعة من صلاح تسفر عن هدف

GMT 12:21 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

محمد يتيم يعود للكتابة بالدعوة إلى "إصلاح ثقافي عميق"
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya