العراق وعطّار كرمان

العراق وعطّار كرمان

المغرب اليوم -

العراق وعطّار كرمان

بقلم - مصطفى فحص

ليس سهلاً على طهران إظهار عجزها عن تشكيل حكومة عراقية جديدة، تضمن معظم مصالحها وتحافظ على نفوذها السياسي والأمني والاقتصادي، في مرحلة تصاعد الحساسيات الاجتماعية والثقافية والعقائدية داخل البيئات الشيعية، خصوصاً بين سكان الحواضر التاريخية التي شكَّلت على مدى قرون عقدة القطع والوصل بينها وبين شيعة العراق. فقلق طهران الجدي على نظام مصالحها دفعها منذ اللحظة الأولى إلى إعلان نتائج الانتخابات العراقية إلى إرسال شيخ العطارين لديها والمعروف بخلطاته العراقية إلى بغداد، لعله يستطيع أن يصلح ما أسهم في إفساده خلال الـ15 سنة الماضية، ولكن قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني لم يفلح في إقناع الطبقة السياسية الشيعية العراقية بإعادة تموضعها وفقاً لحسابات طهران ومصالحها، فحتى الآن فشلت مهمته في توحيد صفوف حلفائه أو في استبعاد أو عزل خصومه، إضافة إلى عجزه عن الترويج لخلطته الجديدة التي لم تختلف عن سابقتها لا في التركيبة ولا في المضمون، ما فضح إصراره على التمسك بخياراته السابقة تجاه العراق، رغم أنها كانت سبباً مباشراً للنفور الشيعي الشعبي والسياسي من الوجود الإيراني في مفاصل الحياة العراقية، وأصبحت دليلاً قاطعاً على رغبة إيرانية دائمة في الهيمنة على العراق واستتباعه واحتواء شيعته، من دون الأخذ بعين الاعتبار نتائج الانتخابات في مناطق الوسط والجنوب التي كشفت عن تبلور حالة تمرد شعبي شيعي عليها، تمرد سينعكس حتماً على شكل وتشكيل الحكومة الجديدة، والمطالبة بحماية المصالح الوطنية العراقية، ورفض الوصاية الإقليمية والدولية على قراراتها، حيث من المرجح أن تطالب الحكومة العراقية المقبلة جيرانها بالتعامل معها بندّية كاملة، الأمر الذي تناوله الزعيم العراقي السيد مقتدى الصدر يوم الاثنين الفائت عندما قال: «أما إيران فهي دولة جارة تخاف على مصالحها، ونأمل منها عدم التدخل في الشأن العراقي كما نرفض أن يتدخل أحد بشؤونها».
موقف الصدر الواضح والصريح من تدخلات طهران أشبه بجرس إنذار لها، حتى تختار بين القيام بدور إيجابي وبين الاستمرار في ممارسة نفوذها السلبي. موقف الصدر لا يختلف عن موقف العبادي، الحكيم، في مطالبتها بالتعامل بمرونة مع التحولات العراقية، التي تتطلب منها قراءة هادئة لمسار طويل من الأخطاء التي ارتكبها عطّار كرمان وفريقه، الذين يدفعون الآن ثمن تحويل العراق إلى حديقة خلفية لإيران، دون أدنى اعتبار للحساسيات الداخلية أو للحسابات الدولية المعنية في المرحلة المقبلة بإعادة رسم المشهد العراقي وفقاً لأجندتها. فملامح أزمة طهران مع العراق أشار إليها صديقها السياسي العراقي الراحل الدكتور أحمد الجلبي في حديث لصحيفة «المدى» العراقية أجراه الكاتب سرمد الطائي في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2013، حيث قال: «من الممكن جداً تصحيح العلاقة مع إيران، المشكلة أن العراقيين ينقسمون بين من يريد التماهي مع إيران بالكامل، ومن يريد القطيعة معها بالكامل، نحن نحتاج إلى سياسة مستقلة، وحين ننجح، فإن الأمر يجب أن يسعد إيران التي ينبغي أن تتذكر أن «الحكم الفاشل في العراق سيكون عبئاً عليها».
من الواضح أن مأزق عطار كرمان في التعامل مع العراق يتّسع، حيث باتت طهران بحاجة إلى خطوات شجاعة في مقاربتها للحالة العراقية الناشئة خصوصاً على المستوى الشيعي، مقاربة تختلف جذرياً عن التصرفات السابقة التي ترفض الاستماع إلى الأصوات المطالبة بإعادة تصحيح مسار العلاقات بين البلدين، ضمن ضوابط جديدة تتشكل بالتزامن مع استعادة العراق لمكانته ومكانه، بعيداً عن المحاور الإقليمية والصراعات الدولية، وتجنب لعبة لي الأذرع الإيرانية الأميركية على أراضيه.
في سنة 2011 تمت ترقية عطار كرمان نسبةً إلى مسقط رأسه في محافظة كرمان جنوب غربي إيران من رتبة عقيد إلى لواء، وأصبح حينها الجنرال قاسم سليماني القائد الفعلي لثلاث جبهات تقودها طهران في سوريا والعراق واليمن، فابن كرمان الشهيرة بصناعة النحاس والسجاد وزراعة الفستق الممتاز والكمون، أشبه بالعطار المتجول بين 4 عواصم عربية يُروج لخلطاته، إلى أن حط به الرحال مجدداً في أسواق بغداد التي على ما يبدو أن تُجارها رفضوا شراء خلطاته إما لكونها قديمة، وإما لأنهم استغنوا عنها، نتيجة بحث أغلبهم عن خلطة بمكونات محلية، من المؤكد لا توجد مواصفاتها في جرّة عطّار كرمان. وعليه، فإن قرار نخب بغداد وتجارها وبرجوازييها الاستغناء ولو جزئياً عن خلطة ابن كرمان أقرب إلى إعلان الاستغناء عن خدماته، وعودته سريعاً إلى بلاده بعدما فقدت رتبته هيبتها، فداخل أسوار بغداد ليس للجنرال أو للكولونيل من يكاتبه.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العراق وعطّار كرمان العراق وعطّار كرمان



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:06 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الأسد

GMT 10:35 2016 الأحد ,02 تشرين الأول / أكتوبر

ندوة حول "أطفال الشوارع" في مركز "عدالة ومساندة" الأحد

GMT 19:42 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

باتشوكا المكسيكي يقصي الوداد من كأس العالم للأندية

GMT 20:05 2017 الإثنين ,30 كانون الثاني / يناير

إيسكو يلعب عددًا بسيطًا من المباريات مع ريال مدريد

GMT 04:56 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

عطيل عويج يُبيّن سبب تعاقده مع فريق الفتح المغربي

GMT 03:00 2015 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

مطاعم مراكش بديكوراتها الجديدة تستقبل العام الجديد 2016

GMT 07:25 2015 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

عصابة مدججة بالسيوف تحاول اغتصاب فتاة وسط الناظور

GMT 02:13 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

الصين تكشف عن دورات مياه جديدة ذات تقنية عالية

GMT 09:34 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

"المرسيدس" من أغرب الفنادق في ألمانيا

GMT 04:02 2017 السبت ,23 كانون الأول / ديسمبر

وائل جسار يستقبل العام الجديد بأغنية "سنين الذكريات"

GMT 17:34 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

إيران تواجه الجزائر استعدادًا لمباراة المغرب

GMT 05:34 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

بغداد صباح الجمعة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya