حواضرنا المدمرة في سفر التمدد الإيراني

حواضرنا المدمرة في سفر التمدد الإيراني

المغرب اليوم -

حواضرنا المدمرة في سفر التمدد الإيراني

بقلم : مصطفى فحص

تتصرف إيران كأنها استثناء٬ تتسلح بماضيها العتيق المليء برغبات إمبراطورية باتت مصدر المآسي للشعوب المجاورة لها٬ فرغبة إيران بالخروج السريع من عزلتها٬ ولجوئها إلى خيار التوسع بدل الانفتاح وعدم الاكتفاء بالدور الإيجابي٬ والاندفاع نحو تحقيق النفوذ السلبي٬ تحول إلى تهديد للهويات الحضارية الأخرى٬ المقيمة منذ آلافا تاريخًيا بوجه عقيدة التمدد الفارسية ثم الإيرانية٬ فقد سيطرت هذه الخصوصيات على

السنين في حيز جغرافيا معقد إثنًيا وديموغرافًيا٬ شكلت خصوصياته الثقافية والدينية عائقً الحيز الأكبر من الذاكرة الإيرانية الورمة٬ المسكونة بهواجس القلق من محيطها٬ الذي تتهمه دائ ًما بمحاولة إقصائها٬ معتمًدا على معضلتها الأبدية بأنها أقلية فارسية شيعية وسط أغلبية مطلقة من القبائل الهند أوروبية والشعوب العربية والتركية السنية٬ التي نجحت في التعامل مع التحولات السياسية والعقائدية٬ وعملت تدريجًيا على تعزيز هويتهاالقومية٬ مع الحفاظ على خصوصيتها المذهبية الجامعة في إطار الدولة الوطنية الحديثة٬ التي مرت كغيرها من دول العالم الثالث بإخفاقات ونجاحات٬ لكنها بقيت أقل توترا في تشكيل هويتها الوطنية من إيران القلقة دائ ًما على ماضيها وحاضرها ومستقبلها.

وفي مخالفة لثوابت السياسة والجغرافيا في الشرق الأوسط الكبير٬ لم يخطر ببال أحد أن تتحول إيران في السنوات الأخيرة إلى لاعب صعب ومقلق٬ ففي لحظة استشعار بالغلبة أو القدرة على فرضها بهدف إخضاع الشعوب المجاورة لها٬ راهنت طهران في توسعها على منهجية طّبقها وزراء السلاجقة٬ قائمة على أن القوة تهزم الكثرة٬ إما بإخضاعها أو بتشتيتها. وتحاول الآن تطبيقها في أكثر من مدينة عربية تاريخية٬ فهي تهيمن على بغداد وتحاول بشتى السبل وضع يدها على النجف٬ وتشارك في تحويل الموصل إلى حطام٬ فثاني أكبر المدن العراقية بعد العاصمة تدمر٬ وأهلها يواجهون عملية ترحيل جماعي تهدف إلى تغيير جذري في تركيبتها السكانية٬ مصيرها لن يكون ا عن مصير حواضر عربية أخرى٬ كحمص التي حولها الأسد بدعم من إيران إلى ركام٬ ونفذ فيها عملية تطهير عرقي ومذهبي٬ وأما حلب أقدم مدن التاريخ٬ فتواجه مختلفً

مصي ًرا أسوأ من مصير حمص٬ حيث يواصل الطيران الروسي والمدفعية الإيرانية تسوية أبنيتها بالأرض في عملية مدروسة تهدف إلى طمس تاريخها وتهجير أهلها٬ وهي إلى عملية استهداف واضحة للديموغرافيا العربية وتحويل الأغلبية العربية السنية إلى أقلية٬ وما يجري لأشهر الحواضر العربية في الشام وبلاد ما بين النهرين وصولاً دمشق التي يتم إفراغها.

ففي سفر الغلبة الإيرانية٬ يحاول نظام طهران تقديم بلاده كأنها الأمة الوحيدة في هذا الشرق٬ القادرة على استيعاب التعددية وحمايتها والحفاظ على الأقليات٬ مستعينة بمحطة من تاريخ فارس عندما احتل الملك الفارسي قورش بابل سنة 538 ق.م وأعطى اليهود الإذن بالعودة إلى أورشليم٬ وسمح لهم بإعادة بناء الهيكل٬ وكان الهدف من ذلك في أن تباركه آلهتهم وتعزز سلطانه٬ وهو النموذج الذي يحاول نظام طهران الاستعانة به من أجل الترويج إعطاءهم حكًما ذاتًيا يخفف من الأعباء على الإمبراطورية٬ وأملاً

لحلف الأقليات٬ الذي يوفر لها جغرافيا سياسية مفيدة ضمن خطة استراتيجية تقوم على تحقيق ربط ديموغرافي متجانس ضمن مساحة آمنة متفاهمة عقائدًيا. اعتاد العالم على إمكانية احتواء ردات فعل الأقليات عندما تشعر بالقهر أو بالتهديد٬ لكنه لم يحدث أن واجه انفعالات أغلبية باتت تشعر بتهديد وجودي٬ مما يضع كل الاحتمالات مفتوحة على عنف أكثر ودمار أوسع٬ ومهما حاولت إيران٬ فإن غلبتها تبقى مستحيلة٬ وستواجه بنفس إرادة المقدسي الذي يقاوم وحيًدا تهويد مدينته٬ فكما قال المفكر اللبناني د. رضوان السيد في مقاله «حلب.. يوم طويل في حياة قصيرة»: «كل هذه المدن غاصة بالغزاة الذين يريدون الحلول محل أهلها٬ الذين عاشوا فيها وعمروها وصنعوا حياتهم وهم يدافعون عنها ولا يقبلون موتها».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حواضرنا المدمرة في سفر التمدد الإيراني حواضرنا المدمرة في سفر التمدد الإيراني



GMT 13:21 2019 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

معركة اللبنانيين لبناء جمهورية يستحقونها

GMT 14:11 2019 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

العراق... ثلاثية الجيش والشعب والمرجعية

GMT 12:10 2019 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران بين الصبر الاستراتيجي والاقتصاد المقاوم

GMT 06:11 2019 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان بين صيغتين

GMT 05:17 2019 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان... الطريق إلى الجمهورية الثالثة

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:14 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج القوس

GMT 15:51 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج العذراء

GMT 11:04 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج العذراء

GMT 00:58 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

دراسة تحدّد الأطفال الأكثر عرضة لخطر السكري من النوع الثاني

GMT 19:55 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

رشيد دلال مساعدا للكيسر في تدريب أولمبيك آسفي

GMT 05:10 2016 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تستضيف أعمال الفن العربي الحديث في متاحفها

GMT 07:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

غوايدو يدعو الفنزويليين للاحتجاجات ضد مادورو

GMT 17:50 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وهبي يراسل وزير الصحة بشأن غياب دواء مرضى السرطان
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya