إيران عقوبات تفاوضية

إيران... عقوبات تفاوضية

المغرب اليوم -

إيران عقوبات تفاوضية

بقلم : مصطفى فحص

عوامل كثيرة، داخلية وإقليمية ودولية، بأبعاد اقتصادية وسياسية، ستجبر النظام الإيراني، عاجلاً أو آجلاً، على الجلوس إلى طاولة المفاوضات التي دعاه إليها الرئيس الأميركي دونالد ترمب أكثر من مرة؛ دعوات سيد البيت الأبيض للتفاوض المباشر تحولت إلى مأزق استراتيجي لدى القيادة الإيرانية، وحصرتها بين خيارين لا ثالث لهما: إما المكابرة ورفضها، وتحمل عواقب هذا القرار، وإما إرسال إشارات عن الرغبة في إنجازها. وبين المكابرة والرغبة، وقَعَ الرئيس روحاني بحرج دبلوماسي نتيجة رفضه تلبية دعوة ترمب للتفاوض، كونها جاءت بالتزامن مع فرض حزمة عقوبات جديدة من جهة، ومن جهة أخرى تسببت بإضعاف موقفه أمام أجنحة النظام المتشددة التي أعلنت رفضها دعوة الرئيس ترمب للتفاوض، حاضراً ومستقبلاً.

ومن المؤكد أن حزمة العقوبات الجديدة ستضيف أعباءً اقتصادية ومالية كبيرة على الاقتصاد الإيراني الذي يمر بمرحلة صعبة جراء انهيار سعر صرف العملة الوطنية أمام الدولار الأميركي، إضافة إلى تصاعد حدة المظاهرات في المدن الإيرانية الكبرى، نتيجة تفاقم الأوضاع المعيشية، وارتفاع معدلات البطالة والتضخم التي ظهرت ارتداداتها مباشرة على الشارع الإيراني المنتفض بوجه سياسات نظامه، الداخلية والخارجية، وقلق النظام من أن تستغل واشنطن حالة عدم الاستقرار الداخلي من أجل ممارسة مزيد من الضغوط التفاوضية على طهران، حيث يمكن وضع تعليق وزارة الخارجية الأميركية على الاحتجاجات المستمرة في المدن الإيرانية ضمن هذا السياق، والتي قالت إن «الولايات المتحدة تأمل في الحرية للإيرانيين، وتدعم أصوات الشعب الإيراني المهمشة».
ولم يتأخر الرد الإيراني على ما يمكن أن تعتبره طهران تدخلاً في شؤونها الداخلية، حيث كان الرئيس روحاني أكثر وضوحاً، في أول تعليق له بعد فرض واشنطن للعقوبات، حيث قال: «يريدون شن حرب نفسية على الأمة الإيرانية، وإثارة الانقسامات في صفوف الشعب». كلام روحاني يكشف حرص القيادة الإيرانية في هذه المرحلة على استقرار الجبهة الداخلية، وإظهار تماسك أجنحة السلطة بوجه أي محاولات أميركية رسمية لاستغلال حالة الغليان في الشارع من أجل تغيير بعض سلوكيات النظام أو طبيعته، مع العلم أن واشنطن أكدت أكثر من مرة أن هدف العقوبات ليس إسقاط النظام، بل التوصل إلى اتفاق نووي جديد.
فروحاني، المطالب داخلياً بإيجاد مخارج لأزمات النظام المتراكمة، يمتلك مهلة 90 يوماً من أجل التوصل مع إدارة البيت الأبيض إلى «اتفاق الممكن»، الذي سيخلو هذه المرة من الحوافز التي حصلت عليها في عهد باراك أوباما، والتي ضمت حينها كثيراً من الاستثناءات والامتيازات، وقد ضمنت الاستثناءات مشروعها الباليستي، أما الامتيازات فقد غطت نفوذها الإقليمي، بينما لم يعد ممكناً لطهران مع الإدارة الأميركية الحالية الحفاظ على سلة حوافزها، بعدما تخلت واشنطن عن معادلات أوباما السابقة كافة، التي تبنتها أوروبا، وأدت إلى التعامل مع طهران باعتبارها عامل استقرار إقليمي، بينما تتهمها مراكز صنع القرار الأميركي الحالية بأنها تغذي حالة عدم الاستقرار في المنطقة.
منذ وصول دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، يتعرض النظام الإيراني للكمات سياسية متتالية، تصوبها إدارته على أهداف إيرانية مباشرة لأول مرة منذ سقوط نظام الشاه رضا بهلوي. وعلى الرغم من أن لكمات الإدارة الأميركية لن تتسبب في إسقاط النظام الإيراني بالضربة القاضية، فإن طهران، المكشوفة داخلياً بسبب حالة عدم الاستقرار المستمرة منذ بداية السنة الحالية، تشعر لأول مرة منذ 1979 بأنها باتت في مواجهة مباشرة مع واشنطن، وبأنه لم يعد بإمكانها استدراج واشنطن إلى مواجهات فرعية أو بالوكالة، بعيداً عنها سياسياً وجغرافياً، حيث لم يعد ممكناً مقايضة واشنطن في عدة ملفات إقليمية نتيجة ترهل نفوذها، مما يرجح أنها ستذهب مع الوقت إلى طاولة المفاوضات خالية، من دون أوراق القوة التي كانت تمتلكها، بعدما تكون قد فقدت القدرة على المناورة، وتريد تجنب انتهاء مهلة الـ90 يوماً دون الوصول إلى ضمانات أميركية بحسن التفاوض، تجنباً لمشهد سوفياتي يذكر الإيرانيين برضوخ موسكو المهزومة في الحرب الباردة لشروط واشنطن ومعسكر حلفائها.
تربط طهران المفاوضات بالعقوبات، وتربط واشنطن العقوبات بالمفاوضات، وتريد أن تنتزع من طهران تنازلات فعلية قبل موعد فرض السلة الثانية من العقوبات الأقسى في التاريخ، التي إن فرضت قد تتسبب في تغيير جوهري في شكل النظام وسلوكه، وهي اللحظة التي يحاول النظام تجنبها، ويعمل على التوصل إلى اتفاق جديد قبل أن يضطر إلى شرب كأس سم جديد ستضعه واشنطن على الطاولة. ولكنها هذه المرة هي من ستختار نوع السم وكميته.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران عقوبات تفاوضية إيران عقوبات تفاوضية



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 19:14 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العقرب

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 15:33 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الجوزاء

GMT 19:14 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

جون تيري يكشف مميزات الفرعون المصري تريزيجيه

GMT 17:27 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وضع اللمسات الأخيرة على "فيلم مش هندي" من بطولة خالد حمزاوي

GMT 22:05 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

إليك كل ما تريد معرفته عن PlayStation 5 القادم في 2020

GMT 05:54 2017 الأربعاء ,12 إبريل / نيسان

بسمة بوسيل تظهر بإطلالة العروس في أحدث جلسة تصوير

GMT 09:38 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

خلطات منزلية من نبات الزعتر الغني بالمعادن لتطويل الشعر

GMT 16:41 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

لمحة فنية رائعة من صلاح تسفر عن هدف

GMT 12:21 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

محمد يتيم يعود للكتابة بالدعوة إلى "إصلاح ثقافي عميق"
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya