إيران بين يأس النظام وصبر الشارع

إيران بين يأس النظام وصبر الشارع

المغرب اليوم -

إيران بين يأس النظام وصبر الشارع

بقلم : مصطفى فحص

منذ بداية العام الحالي تحولت المدن الإيرانية الكبرى، وخصوصاً تلك التي باستطاعتها التأثير في استقرار النظام وفي علاقته بالمجتمع، والتي أنهى نظام ولاية الفقيه وظيفتها الحضارية التاريخية كوسيط بين الدولة والشعب - تحولت إلى مختبرات سياسية واقتصادية وعقائدية، يستخدمها الطرفان - النظام كسلطة والمجتمع كشارع - وحدة قياس لأهدافهما وكيفية تحقيقها؛ فالسلطة التي اختارت الذهاب بعيداً في قرار القمع حفاظاً على النظام، باتت تواجه شارعاً منتفضاً لم يعد يميز بين طبيعتيها (الدولة والثورة)، فيما المؤشرات تدل على عجز السلطة التي تقترب تدريجياً من قرار استخدام كل أدواتها للخروج من محنتها في محاصرة شارع محتقن، تعَلّم من تجاربه السابقة حتى التي خسر فيها أمام السلطة كيفية تطوير أساليب المواجهة بهدف انتزاع حقوقه التي باتت مفتوحة على كل الاحتمالات.

ففي إيران اليوم ترتبط قوة الشارع الصاعدة بقوة المدن وتأثيرها الاقتصادي والاجتماعي على قاطنيها، فالشخصية الإيرانية المعروفة بتكوينها الباطني تنتمي لتركيبة المدينة الإيرانية الصامتة، والصمت في الحالة الإيرانية هو تعبير على مدى صبرها الذي يمكن وصفه بالاستراتيجي وقدرتها في السيطرة على انفعالاتها، وهذه ميزات جعلتها تنفرد في تحديد المواعيد التي تناسبها من أجل الخروج عن صمتها، وهي في تلك اللحظة تتأثر افتراضياً بوقوعها على خط الزلازل المدمرة، التي إن حدثت ستقلب الأشياء مهما بلغت قوتها ومتانتها رأساً على عقب.
وفي لغة اليأس، بات واضحاً أن النظام فقد الأمل في الوصول إلى اتفاق نووي جديد يحفظ له ماء الوجه، ولذلك لجأ إلى المكابرة خياراً تكتيكياً جديداً وأعلن رفضه المطلق التفاوض مع الإدارة الأميركية الحالية باعتبارها تفتقد للثقة ولا يمكن التعامل معها شريكاً يلتزم بتعهداته ويحترمها، حسب وصفه، ولكن على الأرجح أن النظام الإيراني عجز حتى الآن عن فتح قناة تفاوضية رخوة مع إدارة دونالد ترمب على غرار ما كان يجري عادة في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، ونتيجة لذلك، قرر العودة إلى الداخل من أجل إحكام السيطرة على جبهته الداخلية محاولاً التقليل من جدوى العقوبات، رابطاً بين الأزمة المالية والمعيشية الحالية وفشل الحكومة في حل الأزمة الاقتصادية. وجهة نظر النظام هذه أيدها المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي في آخر كلمة له نشرها على موقعه الرسمي، حيث قال إن «مشكلات بلاده الاقتصادية ناجمة عن سوء الإدارة داخلياً وليس فقط الضغوطات الأميركية». وأضاف أن «العقوبات لن تؤثر كثيراً لو كان أداء المسؤولين أفضل وأكثر تدبيراً وقوة وفي التوقيت المناسب»، عملياً يغمز المرشد الإيراني من قناة رئيس الجمهورية حسن روحاني محملاً فريقه الاقتصادي مسؤولية الإخفاق في معالجة الأوضاع المعيشية، كما أخفق فريق روحاني الدبلوماسي، وفقاً لما قاله خامنئي أيضاً، في الوصول إلى اتفاق نووي بشروط إيرانية متينة، واللافت في موقف المرشد من أزمة الاتفاق النووي هو اعترافه بأنه قام بخطأين؛ الأول أنه قبل بالتفاوض، والثاني عندما سمح للحكومة بالتفاوض، ولكنها تجاوزت الخطوط الحمر التي وضعتها القيادة الإيرانية.

حتى الآن لم ينجح النظام الإيراني في استمالة الأغلبية الإيرانية واللعب على وتر النزعة القوية والسيادة الوطنية، وهو يراقب جارته تركيا بإمعان، حيث استطاعت شعبوية الحزب الحاكم في أنقرة إثارة الشارع التركي ضد واشنطن رغم سياسات إردوغان الخاطئة داخلياً وخارجياً، وقام الأتراك بحرق الدولار تعبيراً رمزياً عن دعمهم لعملتهم الوطنية المنهارة، بينما يُصر الشارع الإيراني على التصويب ضد نظامه واتهامه في تبديد ثرواته الوطنية على مشاريعه الخارجية.

يقف النظام الإيراني يائساً لا يملك سوى خيار التراجع إلى الداخل تحت وطأة ضغطين؛ الأول العقوبات الأميركية المرتبطة بشروط تفاوضية قاسية يحاول تجنبها من خلال الاستغلال الكامل لحالة اللاحرب واللامفاوضات المؤقتة مع الإدارة الأميركية الحالية، أما الثاني والأخطر على استقراره هو توسع حالة الاعتراض في الشارع الإيراني الذي لم يعد ممكناً إعادته إلى بيت الطاعة بعدما تجاوزت شعاراته ومطالبه النظام ومكوناته السياسية والعقائدية.

الحالة الإيرانية المضطربة ينطبق عليها ما قاله الفيلسوف العربي ابن خلدون منذ سبعة قرون: «تتطابق حياة العائلة الحاكمة مع حياة مدينتها»، فالنظام يعاني من مجموعة اضطرابات بنيوية انعكست على استقرار مُدنه ومجتمعاته التي تتأثر مباشرة باضطرابات نظام الحكم؛ اضطرابات قلصت خيارات النظام وجعلته أمام احتمالين؛ إما انقلاب القصر وإما نموذج كوريا الشمالية، وكلاهما صعب في مجتمع يمتلك ميزة الصبر الاستراتيجي إلى أن يصل يأس النظام إلى مستوى الانتحار الاستراتيجي.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران بين يأس النظام وصبر الشارع إيران بين يأس النظام وصبر الشارع



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 19:14 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العقرب

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 15:33 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الجوزاء

GMT 19:14 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

جون تيري يكشف مميزات الفرعون المصري تريزيجيه

GMT 17:27 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وضع اللمسات الأخيرة على "فيلم مش هندي" من بطولة خالد حمزاوي

GMT 22:05 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

إليك كل ما تريد معرفته عن PlayStation 5 القادم في 2020

GMT 05:54 2017 الأربعاء ,12 إبريل / نيسان

بسمة بوسيل تظهر بإطلالة العروس في أحدث جلسة تصوير

GMT 09:38 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

خلطات منزلية من نبات الزعتر الغني بالمعادن لتطويل الشعر

GMT 16:41 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

لمحة فنية رائعة من صلاح تسفر عن هدف

GMT 12:21 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

محمد يتيم يعود للكتابة بالدعوة إلى "إصلاح ثقافي عميق"

GMT 13:01 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

رودريجو يكشف عن شعوره الأول لحظة مقابلة زين الدين زيدان

GMT 16:29 2019 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

مغربي يقدم على قطع جهازه التناسلي لسبب غريب

GMT 09:59 2019 الإثنين ,26 آب / أغسطس

"رئيس الوصية"..على أبواب قصر قرطاج
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya