نـظـام التيـارات

نـظـام التيـارات

المغرب اليوم -

نـظـام التيـارات

محمد الساسي


أصبحت فكرة العمل بنظام التيارات داخل الأحزاب المغربية تستقطب، يومًا عن يوم، مزيدًا من الأنصار والمؤيدين، حتى من بين الذين كانوا، بالأمس، من ألد أعدائها وأشد محاربيها. تحولات الحقل الحزبي المغربي أدت إلى تغير مواقف بعض الفاعلين فيه، وأصبح هذا البعض ينظر إلى نظام التيارات كوسيلة لا محيد عنها لتدبير الحزب المغربي، الديمقراطي والمستقل، في الظرف الحالي؛ بينما في مرحلة الإعداد للمؤتمر الوطني السادس للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، كان فريق كبير من القيادة الحزبية يرى أن “موضة” التيارات هي بمثابة جرثومة تستهدف الاتحاد بالذات ويُراد زرعها، في جسمه، لشل بعض من طاقته وإهدار جزء من قوته وجعله عاجزاً عن إنجاح الانتقال.

اليوم، نشاهد، مثلاً، كيف أن رجلين، من أكبر خبراء المسألة التنظيمية في الاتحاد الاشتراكي، انتقلا إلى صف مساندي فكرة التيارات. وهكذا أدلى الأستاذ محمد اليازغي، في أكتوبر 2014، بما يلي : “إنني حينما كنت كاتبا أول للحزب، كنت ضد فكرة التيارات، لكن ما جاء به المؤتمر الأخير جعل خيار التيارات ضرورة (…) ستفتح هذه التيارات نقاشاً خصباً حول القضايا المهمة للشعب المغربي(…) بوجهات نظر مختلفة، ومن زوايا مختلفة…”.

وأدلى الأستاذ الطيب منشد، في نونبر من نفس السنة، بما يلي : “لا أستطيع أن أعبر عن وجهة نظر المجاهد عبد الرحمن اليوسفي، هل يساند أم لا التوجه السائد، اليوم، داخل القاعدة الاتحادية، لكن أؤكد أننا التقينا مع المجاهد، أثناء الفترات الأولى من تشكيل “الانفتاح والديمقراطية”، وكان متحمساً لخيار التيار كطريق لتصحيح الاختلالات التي يعرفها الحزب، وتألم كثيراً عندما رفض لشكر الاعتراف وشرعنة التيارات، بل أوصى القيادة الاتحادية، خلال زيارتها له، بشرعنة التيارات، ولكن دون جدوى…”.

أغلبية أعضاء اللجنة التحضيرية للمؤتمر السادس رفضت عرض وثيقة (الوفاء للديمقراطية) للنقاش، ولم تر ضرورة لتغيير نمط تحضير المؤتمر، ولم تقتنع بجدوى الأخذ بـ “بدعة” التيارات، واعتبرت أن المهم هو ظهور الحزب ككتلة متراصة مصطفة خلف الوزراء الاتحاديين في (حكومة التناوب) ومصفقة لكل ما يصدر منهم بدون تحفظ، وأن نظام التيارات يخدم خطة جيوب مقاومة التغيير والإصلاح.

وبعد مشاركة المناضلين الاتحاديين، الذين أعلنوا عن تأسيس تيار (الوفاء للديمقراطية)، في بعض فعاليات (الحركة التصحيحية)، التي تشكلت في أعقاب حدث انسحاب بعض المؤتمرين من أشغال المؤتمر السادس، ومقاطعة بعض المؤتمرين للأشغال، ظهر خلاف بين المنسحبين والمقاطعين، مرة أخرى، حول العمل بنظام التيارات في بناء الكيان الحزبي “البديل”. وهكذا، أصر المناضلون، الذين سيؤسسون حزب المؤتمر الوطني الاتحادي، على استبعاد العمل بفكرة التيارات.

طُرحت صيغة التيارات، داخل الاتحاد الاشتراكي، في أوج الخلاف الحاد الذي نشأ بين فريقين اتحاديين بخصوص قضية المشاركة في حكومة “التناوب”. فريق اعتبر هذه المشاركة تشخيصاً لاستراتيجية النضال الديمقراطي وامتداداً طبيعياً للمشاركة في مؤسسات التدبير المحلي وفي البرلمان. وفريق آخر اعتبر أن افتقاد تجربة “التناوب”، منذ انطلاقها، للمقومات الدنيا التي يمكن أن تضمن تحقيق تقدم حقيقي وجوهري في مسار الحياة السياسية والمؤسسية بالبلاد، سيجعلها عبارة عن مشروع انتحار سياسي.

إن العجز عن التدبير السليم للخلافات ظل يمثل مصدراً للانشقاقات الحزبية؛ فبمجرد ظهور رأي مخالف لرأي القيادة الحزبية، كانت هذه الأخيرة تعرض أصحابه للاضطهاد وتنتهي بالإلقاء بهم في قارعة الطريق ويُطْلَبُ منهم السعي في أرض الله الواسعة بعيدا عن فضاء الحزب. وعندما يؤسس المغادرون للحزب حزباً جديداً، يفشلون، عادة، في خلق “البديل”ويستنسخون عيوب التجربة الحزبية السابقة وتكون مغادرتهم، أحيانًا، قد أضعفت الحزب الأصلي وحرمته من طاقات نضالية فذة.

لكن الانشقاقات، طبعًا، لا تنتج، دائمًا، عن خلافات فكرية أو سياسية،بل قد تنجم، أحيانًا، عن صراع حول الزعامة، أو حول طرق توزيع المنافع التي يتيحها العمل الحزبي للأعضاء وتوزيع تزكيات الترشيح في الانتخابات العامة، أو بسبب رفض الأقلية لنتائج التصويت داخل الحزب، أو بسبب سحق الأغلبية للأقلية وحرمانها من حقوق تنظيمية مشروعة واستغلال اللوجستيك الحزبي على وجه غير منصف وغير عادل ومطبوع بالمحاباة وتجاهل المصالح الموضوعية للحزب وبطريقة تجعله في خدمة المقربين من القيادة.

الذين يرفضون إعمال نظام التيارات، في الحياة الحزبية المغربية، يعتبرون أن هذا النظام :

نبتة غريبة لا تلائم واقعنا السياسي، وأية محاولة لزراعتها في التربة الحزبية المغربية ستبوء بالفشل الذريع لأن أرضية نجاحها غير متوفرة، حتى الآن، ولأن الحزبيين المغاربة غير مهيئين، بعد، للتجاوب معها؛ فهي نتاج التطور الذي حصل في التنظيمات الاشتراكية وأفرز ظهور الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية التي قبلت الأخذ ببعض القواعد الليبرالية؛
يهدد وحدة الحزب، ويقدم خدمة إلى خصومه؛ فالخلافات بين الأعضاء لا يجب، في الأصل، الإفصاح عنها أمام الملإ، حتى لا يخلف ذلك شرخاً يمكن أن تنفذ عبره المؤامرات، فالأحزاب الحقيقية هي محل استهداف دائم؛
يخلف نوعاً من الازدواجية غير المقبولة في كيان حزبي واحد، إذ قد يجد أعضاء التيار أنفسهم منساقين، عملياً، إلى خلق حزب داخل الحزب، وقد يصبح الصراع، بين تيارات الحزب الواحد، أكثر حدة من الصراع القائم بين الحزب ككل وخصومه “الخارجيين”.
لكن الواقع القائم، داخل أحزابنا، يشهد وجود تناقضات وصراعات، في ما بين الأشخاص والرموز والقادة، أو في ما بين تكتلات وأجنحة، أو على مستوى المقاربات والمقومات التي يجب أن يُبنى عليها الخط السياسي. ولهذا، فإن تجاهل هذا الواقع لا يجعله يرتفع، بل إن الأنسب، ربما، هو “تنظيم” الصراع وتهذيبه وترقيته والحيلولة بينه وبين الإلقاء بالحزب في أتون أوضاع كارثية يصعب، في ما بعد، تدبيرها بسلام.

وعليه، فالذين يؤيدون نظام التيارات يرون أنه يساهم في :

تطوير الاجتهاد وإغناء النقاش وفتح مجال الإفادة من كافة الآراء والكفاءات الموجودة في الحزب، فعوض عرض أرضية واحدة من طرف لجنة تحضيرية، في المؤتمر الوطني، يُسمح بتعدد الأرضيات؛
تجنب التوفيق المصطنع والدمج غير المنطقي بين الأفكار المتعارضة، حتى لا تتضمن الأرضية السياسية، المعتمدة في النهاية، تناقضات تجعل عمليتي تأويلها وتطبيقها شاقتين. طبعاً، يمكن في وثيقة واحدة عرض المقاربات المختلفة، ولكن المنطقي هو أن يُوكل أمر عرض كل مقاربة إلى الأقلام التي تدافع عنها، إذ يُفترض أنها ستحسن عرضها؛
بناء حزب اشتراكي كبير يستوعب أحزاباً موجودة، قد تتحول، داخل الحزب الجديد، إلى تيارات تجمعها الاختيارات والمبادئ الكبرى للحزب، ولكن كلاً منها يجتهد لبلورة تلك المبادئ والاختيارات في خط سياسي واضح يهم مرحلة بعينها؛
تجنب الانشقاقات التي يكون مصدرها وجود خلاف سياسي وتباين في تقدير المتطلبات والمواقف التي يتعين الالتزام بها في مرحلة من مراحل النضال الحزبي؛
وضع قواعد تدبير الحياة الحزبية في إطار نوع من التوافق بين الأغلبية والأقلية، بالشكل الذي يستحضر احتمال تحول الأقلية إلى أغلبية في المستقبل ويمنح للأقلية حقوقا تنظيمية تضمن عدم إقصائها؛
المشاركة الجماعية للتيارات في تأمين الإشراف على سير عمليات الاقتراع الداخلي ونزاهة الوسائل المستعملة من طرف المتنافسين، حتى لا توجه القيادة القائمة دفة المؤتمرات الوطنية بالشكل الذي يضمن لأفرادها البقاء على رأس الحزب.
إن التحول الذي طرأ على موقف بعض الشخصيات المغربية، ذات الباع الطويل في مجال التنظيم الحزبي، من قضية التيارات، يتعين، في نظرنا، أن يحظى بالكثير من الاهتمام باعتباره ثمرة وعي بدروس الماضي الحزبي المغربي.

الحزب الوحيد في المغرب الذي يعترف، في نظاميه الأساسي والداخلي، بوجود التيارات هو الحزب الاشتراكي الموحد، ولم تمنعه الصعوبات، التي كان طبيعياً أن تواجهها التجربة، من مواصلة التشبت بها؛ فهل هناك أمل في خوض أحزاب أخرى غمار التجربة ذاتها؟وهل تشكلت قناعة، لدى الفعاليات التي تباشر التحضير لإنشاء حزب أو أحزاب جديدة، بأن الكثير من المشاكل التي عرفتها أحزابنا، في الماضي، كان يمكن تجنبه لو اعْتُمِدَ نظام التيارات؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نـظـام التيـارات نـظـام التيـارات



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 19:14 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العقرب

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 15:33 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الجوزاء

GMT 19:14 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

جون تيري يكشف مميزات الفرعون المصري تريزيجيه

GMT 17:27 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وضع اللمسات الأخيرة على "فيلم مش هندي" من بطولة خالد حمزاوي

GMT 22:05 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

إليك كل ما تريد معرفته عن PlayStation 5 القادم في 2020

GMT 05:54 2017 الأربعاء ,12 إبريل / نيسان

بسمة بوسيل تظهر بإطلالة العروس في أحدث جلسة تصوير

GMT 09:38 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

خلطات منزلية من نبات الزعتر الغني بالمعادن لتطويل الشعر

GMT 16:41 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

لمحة فنية رائعة من صلاح تسفر عن هدف

GMT 12:21 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

محمد يتيم يعود للكتابة بالدعوة إلى "إصلاح ثقافي عميق"
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya