غزوة تكريت

غزوة تكريت

المغرب اليوم -

غزوة تكريت

خير الله خير الله


ما كشفته غزوة تكريت أن لا أمل في بناء دولة عصرية في العراق. ما كشفته أيضا أن الإدارة الأميركية الحالية تجهل كل شيء عن العراق، وعن تركيبة البلد وتعقيداته.

يطرح نهب المنازل في تكريت وتشريد أهلها موضوعا مرتبطا بمستقبل العراق. يطرح هذا الموضوع نفسه بحدّة، خصوصا أنّ غير مسؤول عراقي وصف “الحشد الشعبي”، الذي هو كناية عن مجموعة من الميليشيات التابعة لأحزاب مذهبية تابعة بدورها لإيران، بأنّه “مؤسسة رسمية”. بكلام أوضح، هناك ميليشيات مذهبية دخلت تكريت حيث تصرّفت باسم الحكومة العراقية، بل اعتبرت نفسها جزءا لا يتجزّأ من مؤسسات الدولة، أي من العراق الجديد. هذا العراق الذي ولد من رحم العملية العسكرية الأميركية التي بلغت بغداد في التاسع من أبريل 2003 ووفّرت للعراقيين فرصة لتحطيم تمثال صدّام حسين بكلّ ما يرمز إليه من تسلّط وتخلّف في كلّ المجالات.

حسنا، هل رحل عراق النظام العائلي-البعثي ليحلّ مكانه عراق الحشد الشعبي، أي الميليشيات المذهبية التي صارت تمثّل الدولة وباتت رمزها حتى لا نقول عنوانها؟

المفارقة أنّ الميليشيات المذهبية بدأت، منذ 2003، تسرح وتمرح في أرض العراق برعاية الاحتلال الأميركي. بعد 12 عاما على سقوط بغداد، تجتاح هذه الميليشات، أو على الأصحّ، تغزو تكريت وتتقدم في اتجاه المدينة، وتحطّم وتدمّر وتحرق وتنهب وتهجّر أهلها بغطاء جوّي أميركي.

كان لا بدّ من طرد “داعش” من تكريت. هذا التنظيم ليس سوى تجسيد للإرهاب الذي يُمارس باسم الدين. ما ليس مقبولا أن تتصرّف الدواعش الشيعية، المنضوية تحت ما يسمّى الحشد الشعبي، على طريقة داعش. ليس مقبولا في أيّ شكل أن يلجأ الحشد الشعبي إلى الانتقام من أهل تكريت بطريقة أقلّ ما يمكن أن توصف به أنّها همجية.

ما كشفته غزوة تكريت أنّ لا أمل في بناء دولة عصرية في العراق. ما كشفته أيضا أن الإدارة الأميركية الحالية تجهل كلّ شيء عن العراق، وعن تركيبة البلد وتعقيداته. لعلّ أخطر ما في الأمر أن الطائرات الأميركية باتت توفّر، بعد 12 عاما على غزو العراق، غطاء لعملية تطهير عرقي تستهدف أمرين. الأوّل عزل بغداد عن محيطها، أي خلق منطقة عازلة بينها وبين محافظة صلاح الدين التي تقع فيها تكريت. أما الأمر الثاني فهو يتمثّل في تأكيد أن لا مكان للسنّة العرب في تركيبة العراق الجديد.

يبدو عهد باراك أوباما، في الجانب العراقي منه، امتدادا لعهد جورج بوش الابن. ما يفعله باراك أوباما استكمال لما بدأ يتبلور في مرحلة ما بعد غزو العراق في 2003 وربّما في المرحلة التي مهّدت للغزو. وقتذاك، اتخذت إدارة بوش الابن سلسلة من القرارات تستهدف تسليم العراق على صحن من فضّة لإيران.

من بين تلك القرارات قانون اجتثاث البعث الذي وُضع في طهران وتولّى طرحه عراقي مرتبط تاريخيا بإيران. ساهم القانون في طرد السنّة العرب من مؤسسات الدولة العراقية بشكل خاص. جاء بعد ذلك القرار الأميركي بحلّ الجيش العراقي، وذلك بحجة استبعاد كلّ ما له علاقة من قريب أو بعيد بالنظام السابق.

من الممكن القول أن الوقاحة الصارخة بالنسبة إلى التعاطي مع السنّة العرب تمثّلت في تشكيل مجلس الحكم الذي اعتبر السنّة العرب من المكوّنات الهامشية للمجتمع العراقي، علما أنّ هناك تاريخا مشتركا وروابط من كلّ نوع بين الشيعة العرب والسنّة العرب في العراق. لا توجد عشيرة عراقية ليس فيها سنّة وشيعة في الوقت نفسه. لماذا كلّ هذا التركيز المتعمّد على التمييز بين السنّي والشيعي في العراق؟

يمكن العثور على الجواب في مؤتمر المعارضة العراقية الذي انعقد في لندن في الشهر الأخير من عام 2002. صدر عن المؤتمر بيان، في غاية الخطورة، أسّس للعراق الجديد بعدما تضمّن عبارة “الأكثرية الشيعية في العراق”.

انعقد المؤتمر برعاية أميركية إيرانية. كانت هذه العبارة بمثابة شرط إيراني للقبول بإرسال شيعة عراقيين من فصائل المعارضة إلى المؤتمر الذي حضره الأكراد ممثلين بمسعود بارزاني وجلال طالباني. حصل الأكراد على ما يريدونه وهو أنّ العراق سيكون دولة “فدرالية”. من حقّهم السعي إلى ذلك في ضوء الظلم الذي تعرّضوا له منذ سقوط الحكم الملكي عام 1958 نتيجة انقلاب عسكري تميّز، أول ما تميّز، بالدمّ والوحشية.

كان متوقّعا أن يكون باراك أوباما مختلفا عن جورج بوش الابن. إذا به يسير في الاتجاه نفسه. الفارق الوحيد كان أن بوش الابن سعى إلى إصلاح الأخطاء التي ارتكبها عندما بعث بقوات إضافية إلى العراق بقيادة الجنرال ديفيد بتريوس الذي كان وراء “الصحوات”.

فشل بوش الابن في إصلاح أيّ شيء، في حين فشل أوباما الذي لم يكن لديه من همّ آخر سوى تسريع الانسحاب العسكري الأميركي من العراق. عمليا، كان ذلك تسريعا لعملية التسليم الكامل للعراق إلى إيران، وصولا إلى غزوة تكريت.

ليست غزوة تكريت التي تذكّر بغزوة ميليشيا “حزب الله” لبيروت في مايو 2008، سوى تتويج للفشل الأميركي في العراق. تعبّر عن هذا الفشل عملية التدمير والنهب المنظّمة للمدينة. لعلّ أخطر ما في الأمر أن القوات النظامية العراقية بدت عاجزة عن وضع حدّ لممارسات الميليشيات المذهبية المسمّاة الحشد الشعبي.

تبيّن في نهاية المطاف أنّ لا فارق كبيرا بين نوري المالكي ورئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي. لدى كلّ منهما أسبابه للانتقام من تكريت والتنكيل بسكانها، وكأنّه لا يكفيهما ما عانته المدينة من داعش. يبدو أن اللعنة تلاحق تكريت لارتباط اسمها بصدّام حسين. هل يعتبر ذلك سببا كافيا كي تستمرّ عملية الانتقام من المدينة والمنطقة المحيطة بها إلى أبد الآبدين؟

يبقى أنّ غزوة تكريت كشفت كم إدارة أوباما هزيلة. تساعد الغارات الجوّية الأميركية في دعم الحشد الشعبي الذي لا هدف له سوى تهجير السنّة العرب من بغداد ومن مناطق أخرى، من بينها محافظة صلاح الدين.

بات السنّة العرب في العراق ضحية داعش والحشد الشعبي في الوقت ذاته. هذا واقع لا يمكن تجاهله. لكنّ ما يثير التساؤلات كيف يمكن للإدارة الأميركية أن تقدّم الدعم لميليشيات مذهبية عراقية معروفة بارتباطاتها دون الحصول على ضمانات مسبقة، أقلّه لجهة حماية المدنيين في مدينة مثل تكريت؟

هل هذا جزء من الثمن التي تدفعه إدارة أوباما لطهران مقابل الموافقة على ما أسماه الرئيس الأميركي “الإطار العام لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي؟” إنّه بالفعل ثمن لا أخلاقي لا يشبه سوى الثمن الذي دفعه بوش الابن من أجل أن تتواطأ معه إيران في غزوة العراق قبل 12 عاما.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غزوة تكريت غزوة تكريت



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya