صفحة جديدة بين العرب والعرب

صفحة جديدة بين العرب والعرب

المغرب اليوم -

صفحة جديدة بين العرب والعرب

بقلم خيرالله خيرالله

في العمق، تشير زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز للقاهرة والنتائج التي أسفرت عنها إلى فتح صفحة جديدة بين القاهرة والرياض، بل بين العرب والعرب، خصوصا في ظلّ العقلانية التي اتسّم بها برنامج العاهل السعودي طوال الأيّام الخمسة التي أمضاها في مصر.

لم تقتصر الزيارة فقط على الاتفاق على بناء جسر بين المملكة ومصر فوق البحر الأحمر، بل ركّزت على الأمن العربي، وذلك بإعلان الملك سلمان عن إنشاء قوة عربية مشتركة لمواجهة التحديات.

وقّع الجانبان السعودي والمصري ما يزيد على ثلاثين اتفاقا في مجالات مختلفة، بما يعكس رغبة متبادلة في نقل العلاقة بين البلدين إلى نوع من الشراكة الاستراتيجية على الصعيد الإقليمي. إنّها في واقع الحال شراكة استراتيجية خليجية – مصرية لاستعادة التوازن المفقود في المنطقة. يحصل ذلك من دون تجاهل للأردن الشريك في دعم الأمن الخليجي وتعزيزه. وهذا ما يفسّر وصول ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز إلى العقبة قبيل مغادرة الملك سلمان للقاهرة لإجراء محادثات مع الملك عبدالله الثاني. الهدف من الزيارة واضح، وهو تأكيد الشراكة الأردنية – الخليجية على كلّ المستويات، خصوصا في شأن كلّ ما له علاقة بالبحر الأحمر ومصر وأمن الخليج عموما.

كانت اللبنة الأولى لهذه الشراكة الدعم الخليجي لمصر في مرحلة مهمّة من تاريخها الحديث عندما تخلّصت من حكم الإخوان المسلمين قبل أقل بقليل من ثلاث سنوات.

حصل ذلك في حزيران – يونيو 2013 عندما أسقط الشعب المصري حكم الإخوان ولقي على الفور استجابة خليجية دعما لثورته. من يتذكّر أنّ المساعدات الأولى التي تلقتها مصر، وقتذاك، جاءت في شكل خمسة مليارات دولار من السعودية، وأربعة مليارات دولار من الكويت، وثلاثة مليارات دولار من دولة الإمارات العربية المتحدة.

من هذا المنطلق، ليس صدفة أن تكون الإمارات والكويت حاضرتين في احتفالات توقيع الاتفاقات بين مصر والسعودية. الإمارات حاضرة عبر الشيخ طحنون بن زايد مستشار الأمن القومي، والكويت عبر رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم. كذلك، الإمارات حاضرة من خلال توجّه الأمير محمد بن سلمان إلى أبوظبي بعد الأردن للقاء الشيخ محمّد بن زايد وليّ العهد فيها.

كان القرار بدعم مصر وشعبها و”ثورة الثلاثين من يونيو” الإشارة الأولى إلى فهم الجانب العربي واستيعابه التام لحال التذبذب التي تعاني منها إدارة باراك أوباما التي قرّرت إدخال تغييرات في العمق على السياسة الخارجية الأميركية خصوصا في الشرق الأوسط والخليج. وضعت هذه الإدارة في أولوية أولوياتها الاتفاق في شأن الملف النووي الإيراني. اختزل هذا الملف، بالنسبة إليها، كل مشاكل الشرق الأوسط والخليج والأزمات في المنطقتين. كان لا بدّ من ردّ عربي واضح في وقت بدأت إيران تتسلل إلى مصر عبر الإخوان المسلمين في ظلّ تواطؤ واضح مع “حماس”، فيما ليس لدى إسرائيل من سبب لا يدعوها إلى دعم كلّ ما من شأنه إلغاء مصر وحذفها من المعادلة الإقليمية.

ما يمرّ به الشرق الأوسط والخليج ليس حدثا عابرا. المنطقة كلها في حال مخاض. تتطلّب هذه المرحلة تجاوز كل عقد الماضي والاعتماد على رؤية عربية جديدة متكاملة لمستقبل المنطقة. حجر الزاوية لهذه الرؤية، العلاقة الخليجية – المصرية بشكل عام، والعلاقة السعودية ـ المصرية بشكل خاص.

هناك في واقع الحال المملكة العربية السعودية الجديدة التي تمثلها قيادة الملك سلمان. تعني هذه القيادة أول ما تعني التجدد في ظل الاستمرارية. هناك حيوية سعودية كان أفضل تعبير عنها “عاصفة الحزم” في اليمن والمواقف الحازمة من المشروع التوسّعي الإيراني الذي يهدّد كلّ دولة عربية، خصوصا العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين.

لا وجود لأدنى شكّ في أنّ السعودية في حال حرب مع هذا المشروع الذي يستهدف تطويقها، وتطويق الخليج من كلّ الجهات عن طريق الدواعش الشيعية و”داعش” السنّية التي يتبيّن كل يوم أنّها صنيعة النظامين في إيران وسوريا.

هناك شقّ آخر من الزيارة يدلّ أوّل ما يدلّ على مدى الوعي السعودي للمخاطر التي تتعرّض لها المنطقة وأهمية مصر ودورها، خصوصا بعدما أظهر الرئيس عبدالفتاح السيسي قدرة على فهم الخطر الذي يمثله التطرف ودور الأزهر في مواجهته. حرص الملك سلمان على زيارة الأزهر مؤكدا أهمية القضاء على الصورة الخاطئة التي يحاول الجهلة والمغرضون نشرها عن السعودية وتوجهاتها في المجال الديني. أكثر من ذلك، استقبل الملك سلمان بابا الأقباط في مصر تواضروس الثاني. يقضي الاستقبال على كلّ الأقاويل التي يروّج لها أولئك الذين لا يريدون تصديق أن السعودية لم تفرق يوما بين مصري وآخر بسبب ديانته، أو بين لبناني وآخر بسبب مذهبه.

فوق ذلك كلّه، بدأ بناء علاقة سعودية ـ مصرية، وخليجية ـ مصرية من دون عقد من أي نوع. ليس الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية بين البلدين سوى مؤشر إلى تجاوز كلّ ما له علاقة برواسب الماضي. أعادت مصر جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية بعدما وضعتا في حمايتها منذ العام 1955. هذا قرار شجاع لا يتخذه إلا الزعماء الذين يدركون معنى المصلحة الوطنية والتزام القانون الدولي والابتعاد عن المزايدات التي تخدّر الشعب ولا تطعمه خبزا.

قامت العلاقات المصرية ـ السعودية منذ أربعينات القرن الماضي على المنافسة. لم تؤد رعونة جمال عبدالناصر الذي وقفت السعودية إلى جانبه عندما تعرضت مصر لعدوان ثلاثي في العام 1956، سوى إلى كوارث على الصعيد العربي توجت بهزيمة 1967.

هناك أخطاء كثيرة ارتكبت في الماضي، خصوصا في مرحلة ما بعد زيارة الرئيس أنور السادات للقدس في 1977 وتوقيع اتفاقي كامب ديفيد في خريف 1978، ثمّ معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية في آذار – مارس 1979. لم يفهم البعثان في سوريا والعراق، وقتذاك، المعنى التاريخي لما أقدم عليه السادات. زايد البعثان من أجل خلق فراغ في المنطقة. اعتقدا أن في استطاعتهما الاستفادة منه إلى أبعد حدود.

قاطع العرب مصر وقاطعت مصر العرب. عادوا إليها وعادت إليهم، لكنّ الثابت أن ما أثبته سلمان بن عبدالعزيز يتمثل في الاستفادة من تجارب الماضي من جهة، والسعي إلى بناء نوع جديد من العلاقات العربية – العربية من جهة أخرى. تقوم هذه العلاقات على أن الرهان على مصر مازال ممكنا.

تبدو إعادة تأهيل مصر جزءا لا يتجزّأ من هذا الرهان الذي يصب في إيجاد مكان للعرب في المنطقة، وذلك في وقت يوجد من يريد إزالتهم من خارطة الشرق الأوسط والخليج، خصوصا بعد سقوط العراق. فمصر دولة شرق أوسطية وأفريقية وخليجية في آن. لا يختلف اثنان على أن لديها مشاكل كثيرة. ولكن من يتمعّن في نوعية الاتفاقات التي أسفرت عنها زيارة الملك سلمان، يكتشف أن كلّ ما في هذه الاتفاقات درس بدقّة، بدءا بالجسر بين آسيا وأفريقيا، وصولا إلى تنمية سيناء التي يمكن أن توفّر مخرجا لأزمة النمو السكاني في البلد العربي الأكبر، انتهاء بدعم الأزهر ليكون منارة للوسطية ونشر التسامح والمعرفة.

يبقى سؤال هل يمكن الرهان على مصر؟ الجواب بكل بساطة أن الأوان لم يفت بعد لإنقاذ مصر بدل تركها تنهار تحت وطأة المشاكل الكبيرة التي تعاني منها، خصوصا في مجال التعليم، الذي تدنى مستواه، وانتشار الفقر والتطرّف الديني.

هناك عاملان مازالا يلعبان لمصلحة مصر، هما الوعي الشعبي بخطورة ظاهرة الإخوان المسلمين والتطرّف الديني بكلّ أشكاله ووجود الدولة العميقة. هذه الدولة العميقة التي قلبت المعادلة في حزيران – يونيو 2013، وحالت دون سقوط مصر نهائيا وتفكّكها على يد الإخوان المسلمين ومشروعهم الذي ليس بعيدا عن المشروع التوسّعي الإيراني بملحقاته وأدواته المختلفة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صفحة جديدة بين العرب والعرب صفحة جديدة بين العرب والعرب



GMT 18:13 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

لا ثقة بحكومة حسّان دياب

GMT 15:45 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

أوراق إيران التي ذبلت

GMT 09:52 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

أكثر من أي وقت… نفتقد نسيب لحّود

GMT 09:43 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

سقوط آخر لبريطانيا

GMT 09:51 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

عندما يهرب لبنان إلى "صفقة القرن"

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الجدي

GMT 06:36 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتع بمغامرة فريدة في أجمل مدن "مولدوفا"

GMT 11:44 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

المؤجلات… موت التشويق

GMT 22:25 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

المانجو فاكهة النشاط والتفاؤل

GMT 15:47 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أفكار مميزة لتجديد حديقة منزلك بدون تكاليف في الشتاء

GMT 18:25 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

لمسات بسيطة تضفي مزيدًا من الجمال على شرفات منزلك
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya