سقوط أميركي وإسرائيلي

سقوط أميركي.. وإسرائيلي

المغرب اليوم -

سقوط أميركي وإسرائيلي

خيرالله خيرالله

وجود بيبي في الكونغرس، بدعوة من رئيس مجلس النوّاب جون باينر (جمهوري)، والطريقة الاستفزازية التي استقبل بها، عكس سقوطا أميركيا وإسرائيليا في الوقت ذاته.
ما كان لبنيامين نتانياهو، الذي يسمّيه مواطنوه بيبي، أن يتحدّى المقيم في البيت الأبيض لو كان هناك، بالفعل، رئيس قوي للقوة العظمى الوحيدة في العالم يعرف كيف يتعاطى مع زعماء الدول الأخرى، بمن في ذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي.

لا قيمة سياسية تذكر لخطاب بيبي أمام الكونغرس الذي أدخل الرجل التاريخ واضعا إيّاه، للأسف، في مصاف ونستون تشرشل. قبل أن يلقي رئيس الوزراء الإسرائيلي خطابه أمام مجلسي الكونغرس، كان تشرشل الزعيم الوحيد في العالم الذي توجّه إلى الشيوخ والنواب الأميركيين مجتمعين ثلاث مرّات.

يكمن الفارق أن تشرشل لم يتسلل إلى مبنى الكابيتول من خلف ظهر الرئيس الأميركي. على العكس من ذلك، جاءت دعوته، في كلّ مرّة، للتحدث إلى ممثلي الشعب الأميركي من كلّ الهيئات والسلطات. عكس وجود بيبي في الكونغرس، بدعوة من رئيس مجلس النوّاب جون باينر (جمهوري)، والطريقة الاستفزازية التي استقبل بها، سقوطا أميركيا وإسرائيليا في الوقت ذاته.

جاء رئيس الوزراء الإسرائيلي للاعتراض على الاتفاق الذي يمكن أن تتوصل إليه مجموعة البلدان الخمسة زائد واحد مع إيران في شأن ملفّها النووي. انتهز الفرصة ليشن حملة شعواء على السياسة الإيرانية. وصل به الأمر إلى التذكير بالأعمال الإرهابية التي يُعتقد أن إيران تقف خلفها، بما في ذلك تفجير مقرّ “المارينز” في بيروت في أكتوبر عام 1983. أتى على ذكر المسؤول العسكري الكبير في “حزب الله” عماد مغنيّة الذي اغتيل في إحدى ضواحي دمشق في فبراير من عام 2008. اعتبر أن عماد مغنيّة “قتل أميركيين أكثر مما قتل أسامة بن لادن”. تذكّر أيضا، من أجل دعم موقفه، الأمين العام لـ“حزب الله” حسن نصرالله وتهديداته إلى إسرائيل.

هناك أمر في غاية الأهمّية تجاهله بيبي. تجاهل، قبل كلّ شيء، مسؤولية إسرائيل عن حال عدم الاستقرار في المنطقة. تفعل إسرائيل كلّ ما تستطيع لمنع أيّ تقدم في عملية السلام مع الفلسطينيين. لا هدف لبيبي سوى الوقوف في وجه السلام والحؤول دون قيام دولة فلسطينية “قابلة للحياة”.

الأكيد أن الوصول إلى تسوية بين الفلسطينيين وإسرائيل لن يحلّ مشاكل الشرق الأوسط التي يزداد عددها يوميا. لكن مثل هذه التسوية تقطع الطريق على إيران التي تتاجر بالفلسطينيين وقضيتهم. لو كان رئيس الوزراء الإسرائيلي يريد حقّا التصدي لإيران، لكان أوّل ما فعله متابعة المفاوضات مع الجانب الفلسطيني من أجل الوصول إلى حلّ، وليس من أجل التفاوض لمجرّد التفاوض. لو كان يهدف بالفعل إلى حصر المواجهة مع إيران، كما يدّعي، لكان توقّف عن ممارسة سياسة الاستيطان في الضفّة الغربية. فهذه السياسة هي التي تغذّي التطرّف بكلّ أشكاله، وتسمح لإيران بالمزايدة على العرب والفلسطينيين والظهور بأنّها أشدّ حرصا منهم على القدس.

كلام بيبي في الكونغرس، كلام حقّ يراد به باطل. معظم الدول العربية تشكو من السياسة الإيرانية ومن المشروع التوسّعي الذي يترافق مع هذه السياسة والذي يصبّ في خدمة الإرهاب والإرهابيين. فالسياسة الإيرانية في سوريا والعراق، وحتّى في لبنان، لعبت دورا أساسيا في نمو “داعش” وتمدّده وإيجاد حاضنة له في مناطق ذات أكثرية سنّية. هذا الواقع شيء، واستفادة إسرائيل من السياسة الإيرانية شيء مختلف تماما. إسرائيل لم تقدم يوما على ما يشير إلى أنّها تعترض على ما تقوم به إيران. كلّ ما تفعله يتمثّل في الانسياق إلى اللعبة الإيرانية والتجاوب معها بطريقة أخرى بما يتلاءم ومصالح الطرفين. هذا ما حصل في لبنان والعراق. وهذا ما يحصل في سوريا الآن.

لم تنبس إسرائيل يوما ببنت شفة عندما كان يتعلّق الأمر بالممارسات الإيرانية في المنطقة، خصوصا في العراق وسوريا ولبنان. لم تعترض يوما على هذه الممارسات نظرا إلى أنّها كانت خير غطاء لإرهاب الدولة الذي يمارسه القادة الإسرائيليون على رأسهم نتنياهو الذي لم يُقدم يوما على خطوة صغيرة تشير إلى أنّه يريد السلام والاستقرار في المنطقة ومحاربة الإرهاب.

كان الخطاب الثالث لرئيس الوزراء الإسرائيلي أمام الكونغرس للاستهلاك الداخلي. هل سيساعد هذا الخطاب، الذي كان تمرينا ناجحا في العلاقات العامة، في نجاح بيبي في الانتخابات الإسرائيلية في السابع عشر من الشهر الجاري؟ هذا هو السؤال الكبير. هذا هو السبب الذي جاء بيبي من أجله إلى واشنطن، وذلك في وقت لا يقدّم الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني ولا يؤخّر في شيء. فالموضوع ليس موضوع الملف النووي، بمقدار ما هو موضوع السياسة الإيرانية في المنطقة واستيعاب الإدارة الأميركية لخطورتها. هل تخدم استفاقة بيبي على هذه السياسة وخطورتها اليمين الإسرائيلي في شيء؟

هناك انحدار إسرائيلي حقيقي. هذا الانحدار مرتبط بشخصية بيبي نتانياهو الذي يعبّر عن الفراغ السياسي في مجتمع مريض يراهن منذ عشرين عاما، أي منذ اغتيال اسحق رابين في نوفمبر 1995، على التطرّف والمتطرفين، بما في ذلك السياسة الإيرانية. يحصل ذلك تفاديا للانتهاء من الاحتلال، لا أكثر.

يبقى أن هناك جانبا آخر لخطاب بيبي في الكونغرس. هذا الجانب هو الجانب الأميركي. انكشف أوباما كما لم ينكشف من قبل في بلد اعتاد فيه الكونغرس الوقوف بقوّة مع الرئيس كلما كان في مواجهة مع طرف خارجي. ظهر أوباما ضعيفا. بدا كأنّه خيال لرئيس الولايات المتحدة الأميركية. أين دوايت ايزنهاور الذي طلب، عبر وزير خارجيته جون فوستر دالس، وقف العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وبأن تنسحب إسرائيل فورا من سيناء؟ لم يكن ايزنهاور في حاجة إلى التدخل شخصيا كي تصبح رغباته أكثر من أوامر. أين جورج بوش الأب ووزير خارجيته جيمس بيكر اللذان جرّا رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق شامير من أنفه إلى مؤتمر مدريد عام 1991. هل هي مسألة ضعف أميركي فقط، أم أنّها أيضا مسألة اختلاف في الأولويات بين أميركا وإسرائيل؟ مثل هذا الاختلاف قد تكون له نتائج في غاية الأهمّية على مستقبل العلاقة بين البلدين في المدى الطويل.

في كلّ الأحوال، إنّه سقوط أميركي وإسرائيلي. لم يكن في استطاعة بيبي الإقدام على ما أقدم عليه، لو كان هناك في البيت الأبيض من هو قادر على وضعه في حجمه الحقيقي، بدل أن “يوجّه إهانة إلى ذكاء الأميركيين”، على حد تعبير نانسي بيلوزي، زعيمة الأقلّية الديمقراطية في مجلس النوّاب. وبيلوزي ليست معروفة بعدائها لإسرائيل بأيّ شكل من الأشكال.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سقوط أميركي وإسرائيلي سقوط أميركي وإسرائيلي



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya