داعش قبل أحداث بروكسل وبعدها

'داعش'.. قبل أحداث بروكسل وبعدها

المغرب اليوم -

داعش قبل أحداث بروكسل وبعدها

خيرالله خيرالله

العرب والمسلمون مسؤولون عن محاربة 'داعش'. هذا أمر مفروغ منه. مسؤوليتهم تتقدم على مسؤولية أي طرف آخر.

ليس في الإمكان التمييز بين إرهاب وإرهاب، لذلك ليس كافيا إعلان الحرب على “داعش” الذي ضرب في بروكسل، بعد باريس، مستهدفا أبرياء بمقدار ما أن الحاجة تدعو إلى مقاربة شاملة لهذه الآفة.

مثل هذه الآفة التي اسمها “داعش” تحتاج إلى حرب حقيقية تشمل الأماكن الذي يوجد فيها هذا التنظيم والبحث عن الأسباب التي أدّت إلى قيامه وتوسّعه، فضلا بالطبع عن الاعتراف بتقصير المسلمين، خصوصا العرب، في التصدي الباكر لهذا المرض الخبيث.

فكما يقول الملك عبدالله الثاني الذي كان في مقدّمة الذين تصدوا لهذه الظاهرة “هذه الحرب هي حربنا أوّلا” قبل أن تكون حرب أي أحد آخر. يشير العاهل الأردني، في كلّ مناسبة، إلى أن من يرتكب مثل هذه الأعمال الإرهابية لا علاقة له بالإسلام من قريب أو بعيد، مشددا على أن هؤلاء “خوارج”.

هذا لا يعني في طبيعة الحال أن الغرب، على رأسه الولايات المتحدة، ليس مسؤولا عن قيام “داعش” وعن وصولها إلى المجتمعات الأوروبية. فالولايات المتحدة قامت بكل ما يجب القيام به من أجل توفير حواضن لـ“داعش” وقبل ذلك لـ“القاعدة”. ترافق ذلك مع تراخ أوروبي لم يتنبه إلى أن التغاضي عن التطرّف والمتطرفين وعن وجود غيتوات في مدن ومناطق أوروبية معيّنة ليس مقبولا لا باسم الديمقراطية، ولا باسم المحافظة على الحريات وحقوق المواطن.

يفترض بمن يأتي إلى أوروبا التعايش مع قيم المجتمع الأوروبي والتأقلم معها، بدل الاكتفاء بما تقدمه له الحكومات الأوروبية من مساعدات وخدمات. فصل هذا المجتمع، منذ قرون عدّة، بين الدين والدولة وأنشأ مجتمعات ودول مدنية تؤمن بالقانون وسيادته وليس بالفتاوى التي تصدر في غالب الأحيان عن رجال دين جهلة، تخرّجوا من مدرسة الإخوان المسلمين. لدى رجال الدين هؤلاء علاقة بكل شيء باستثناء الدين.
    
    

كان ملفتا أن “داعش” بدأ ينتشر ويقوى مع استمرار التدهور في سوريا ورفض المجتمع الدولي، خصوصا إدارة باراك أوباما، وضع حدّ لعملية ذبح الشعب السوري أكان ذلك بالسلاح الكيميائي أو القصف المدفعي أو البراميل المتفجرة أو الميليشيات المذهبية التي تحرّكها إيران.. أو، أخيرا، بواسطة سلاح الجو الروسي.

كان ملفتا أيضا انتشار “داعش” في العراق في وقت، عملت إيران كلّ شيء من أجل جعل السنّة العرب يلجأون إلى الإرهاب في مواجهة إرهاب آخر مارسته ميليشيات مذهبية صار اسمها في العراق، وفي مرحلة معيّنة، “الحشد الشعبي”.

رفض الغرب منذ البداية الاعتراف بأنّ في أساس “داعش” النظامين في إيران وسوريا اللذين أرادا استغلال هذا الوحش من أجل القول إن النظام السوري يخوض معركة مع الإرهاب وأن الميليشيات المذهبية اللبنانية والعراقية والأفغانية لا تقاتل الشعب السوري، بل تقاتل “التكفيريين”. ما هذه الحجة السخيفة التي لم تنطل سوى على إدارة أميركية كان همّها الأوّل والأخير حصر الإرهاب بأهل السنّة؟

أكثر من ذلك، لم يكن هناك من تصد جدي لـ“داعش” بعد اجتياحه مدينة الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية، وانكشاف مدى تواطؤ حكومة نوري المالكي المدعومة من إيران مع التطرّف والمتطرّفين ومدى استثمارها في كلّ ما من شأنه زيادة الانقسام الطائفي والمذهبي في العراق وتعميقه بشكل منهجي.

لم يكن من تصد من الميليشيات المذهبية المدعومة من إيران ل“داعش” في أيّ وقت، لا في العراق ولا في سوريا. كان همّ هذه الميليشيات في سوريا تلميع صورة النظام، فيما كان همها في العراق منصبّا على كيفية طرد السنة العرب من أراضيهم وتغيير طبيعة بغداد. هذه التصرفات التي وراءها النظامان في سوريا وإيران وما يسمى “محور الممانعة” كانت في أساس تمدد “داعش” ومبرر وجود هذا التنظيم. هل من دليل على ذلك أكثر من أن “داعش” لم يقم يوما بعملية تستهدف إيران.

هناك تقاعس عربي في التصدي لـ“داعش”، لكنه لا يمكن تجاهل أن هذا التنظيم الإرهابي لم ير النور إلّا بعدما عمل المجتمع الدولي كل ما في وسعه لإبادة الشعب السوري وتهجيره وتفتيت سوريا. لم يعمل هذا المجتمع شيئا من أجل منع النظام السوري ومن خلفه إيران من إطلاق “داعش”. لم يدرك حتّى معنى خطورة ترك “داعش” يصل إلى أوروبا وقبل ذلك إلى تونس وليبيا والنتائج المترتبة على ذلك. من المسؤول عن تحول الأرض الليبية إلى قاعدة ينطلق منها مسلحون لتهديد كل شمال أفريقيا، خصوصا تونس؟ لماذا لم تحصل عملية عسكرية واحدة ضد “داعش” في ليبيا حماية للمنطقة كلّها؟

تفتقد الحرب على “داعش” إلى مكونات عدة. يتمثل المكون الأول في الاقتناع بأن “داعش” نتاج للنظام السوري وداعميه على رأسهم إيران. لا مجال للتخلص من “داعش” ما دام النظام السوري الذي تعتبره إيران “خطا أحمر” قائما، حتى لو كان ذلك صوريا.

هل من نيّة في اقتلاع “داعش” والانتهاء منه؟ متى تبين أن هناك عودة إلى الجذور يمكن القول إن هناك جدّية في الحرب على “داعش”. في غياب هذه العودة، سيظل “داعش” يُستخدم مبررا لتحقيق أهداف عدة. من بين هذه الأهداف العمل على تفتيت سوريا وتصوير الإسلام بأنه عدو للمجتمعات الغربية.

هناك بين العرب من يدرك خطورة “داعش” والواقع المتمثل في أنّ هناك من يستخدم هذا التنظيم لتحقيق أهداف تصب في نهاية المطاف في غير مصلحة الاستقرار في الشرق الأوسط، أي في مصلحة المشروع التوسّعي الإيراني. هذا الواقع لا يعفي أوروبا من مسؤولياتها، خصوصا في ظل إدارة أميركية قرّرت سلفا أن تكون في موقع المتفرّج.

أن تتحمّل أوروبا مسؤولياتها يعني، بكل بساطة، رفض وجود مجتمعات منغلقة على نفسها، لا في باريس ولا في بروكسل ولا في لندن ولا في أي مدينة أو قرية أوروبية. هل جاء عرب أو مسلمون إلى أوروبا للتحريض على الثقافة الأوروبية، وعلى القيم التي تؤمن بها هذه المجتمعات الأوروبية؟ هل جاء هؤلاء العرب والمسلمون إلى أوروبا بفكرة الغزو؟

العرب والمسلمون مسؤولون عن محاربة “داعش”. هذا أمر مفروغ منه. مسؤوليتهم تتقدم على مسؤولية أي طرف آخر.

الأميركيون والأوروبيون مسؤولون أيضا. المهم أن تكون هناك رغبة حقيقية تحركها إرادة قوية في مواجهة هذه الظاهرة. مرة أخرى، هل من يريد الذهاب إلى الجذور أولا؟ هل من يريد الاقتناع بألا فائدة من حرب على “داعش” في ظل التمييز بين إرهاب وإرهاب، بين إرهاب سنّي وإرهاب شيعي، وأن النجاح في هذه الحرب يبدأ بالاعتراف بأن النظام السوري مكون أساسي من مكونات “داعش” بل عمود من أعمدتها. هذا ينطبق على الوضع قبل الأحداث الأخيرة في بروكسل وبعدها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

داعش قبل أحداث بروكسل وبعدها داعش قبل أحداث بروكسل وبعدها



GMT 09:25 2019 الجمعة ,12 تموز / يوليو

عيون وآذان - أخبار أنقلها إلى القارئ العربي

GMT 03:37 2019 الأحد ,21 إبريل / نيسان

زيارة غير عادية للسعودية

GMT 08:36 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

عندما سقط العرب في فخّ حافظ الأسد

GMT 06:00 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

العرب والكرد: بعد «النكسة»، ما العمل؟

GMT 02:18 2017 الجمعة ,29 أيلول / سبتمبر

السعودية تتخلص من عقدة جهيمان

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الجدي

GMT 06:36 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتع بمغامرة فريدة في أجمل مدن "مولدوفا"

GMT 11:44 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

المؤجلات… موت التشويق

GMT 22:25 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

المانجو فاكهة النشاط والتفاؤل

GMT 15:47 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أفكار مميزة لتجديد حديقة منزلك بدون تكاليف في الشتاء

GMT 18:25 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

لمسات بسيطة تضفي مزيدًا من الجمال على شرفات منزلك
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya