حرب الإسلام على الإرهاب أولا

حرب الإسلام على الإرهاب أولا

المغرب اليوم -

حرب الإسلام على الإرهاب أولا

خيرالله خيرالله


عبدالله الثاني يمتلك خطابا واحدا للداخل والخارج، فحواه أن الحرب على الإرهاب واحدة، وأن الجميع في مركب واحد وأن هذه الحرب هي 'حرب الإسلام' على الذين يريدون الإساءة إليه.

هناك زعماء يقولون في الداخل كلاما يصلح للاستهلاك المحلي، ويقولون في الخارج كلاما مغايرا استرضاء للرأي العام العالمي أو المكان الذين هم فيه. قلّة من الزعماء تقول في الداخل ما تقوله في الخارج دون أي عقدة من أي نوع كان.

أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبور كان عبدالله الثاني مرّة أخرى، ربّما للمرّة الألف، صادقا وجريئا، كعادته. كان صادقا مع الأردنيين ومع الأوروبيين، خصوصا في شرح الأبعاد الحقيقية للحرب على الإرهاب. كان العاهل الأردني في الواقع صادقا مع نفسه أوّلا، أي مع ما يسعى من أجل تحقيقه، أي تأكيد أن للمملكة الأردنية الهاشمية “دورا محوريا على الصعيد الإقليمي” وأنّها دولة عصرية تستأهل الحياة، لأنّها دولة تمتلك مؤسسات راسخة. أكثر من ذلك، يؤمن العاهل الأردني بأن المملكة تمتلك رسالة. لذلك توجه إلى الأردنيين مباشرة، قبل أيام قليلة، لتأكيد ما لم يعد في حاجة إلى تأكيد. لم تمض أيام على خطابه الموجّه إلى الأردنيين، حتى توجه إلى أوروبا، إلى مدينة ستراسبور تحديدا، بكل ما ترمز إليه. جاء إلى تلك المدينة الفرنسية، التي كانت ألمانية في مرحلة ما، ليؤكّد أنّه يعرف العالم تماما ويعرف ماذا يعني أن يكون البرلمان الأوروبي في تلك المدينة “التي لا تزال شاهدا حيّا على نجاح المجتمعات في الانتقال من الحرب إلى السلام وعلى أن تكون رمزا للمصالحة ووحدة أوروبا”.

هناك رمزية لستراستبور. المدينة عاصمة منطقة الألزاس في فرنسا. كانت منطقة الألزاس، عبر التاريخ، منطقة متنازعا عليها بين فرنسا وألمانيا، هي ومنطقة لا لورين. في النهاية أصبحت الألزاس ولا لورين فرنسيتين بعد الحرب العالمية الثانية. لكنّ وحدة أوروبا أزالت حساسيات الماضي، خصوصا أن في استطاعة أهل المنطقتين التنقل بين فرنسا وألمانيا بكلّ حرّية. فالسلام أزال الفوارق التي ما زال الشرق الأوسط يعاني منها.

في عمّان، أكّد عبدالله الثاني للأردنيين “إننا نعيش حياتنا مجتمعا متآخيا ومتراحما مثل العشيرة الواحدة ونبني مستقبلنا بتحصين أجيالنا بفكر حضاري مستنير ضد الانغلاق والتعصب وتسليحها بقيم المواطنة والمبادرة والطموح والتميّز وحبّ العمل والإنجاز ونبذ مظاهر العنف التي تجافي قيمنا وأخلاقنا وكلّ ما يمثّلها. فجوهر عقيدتنا قدسية الحياة واحترام الذات والغير”.

نعم، قدسية الحياة. هذا ما يؤمن به الأردن. الأهمّ من ذلك كلّه أن يوجد من يتحدّث صراحة عن هذه القدسية وليس عن قدسية شيء آخر، أي قدسية ثقافة الموت التي ينادي بها المتعصّبون في المنطقة الذين يراهنون على إثارة الغرائز بكلّ أنواعها، خصوصا الغرائز المذهبية التي خربت العراق، وخرّبت سوريا، وتكاد أن تخرّب لبنان.

وفي ستراسبور قال عبدالله الثاني “أنّ ما ارتكبته عصابة داعش الإرهابية من قتل وحشي لطيارنا البطل (معاذ الكساسبة) أغضب جميع الأردنيين والأردنيات وروّع العالم. كان ردّ الأردن على هذه الجريمة سريعا وجادا وحازما. ستستمرّ معركتنا، لأنّنا ومعنا دول عربية وإسلامية لا ندافع فقط عن شعوبنا، بل عن ديننا الحنيف. فهذه معركة، على الدول الإسلامية أن تتصدّرها أوّلا، فهي قبل كلّ شيء حرب الإسلام”.

    لا يمكن للأردن التراجع عن الحرب على الإرهاب. إنها معركة حياة أو موت للمنطقة كلها

يقف الأردن حاجزا منيعا في وجه التطرّف. هذا ما أراد عبدالله الثاني تأكيده للأردنيين والأوروبيين في الوقت ذاته. قاله قبل ذلك للأميركيين. أراد أن يقول لهم إن الحرب على الإرهاب طويلة، لكنّ الأردن لا يمكن إلا أن ينتصر في هذه الحرب.

كان لا بدّ من إعادة تذكير الأردنيين بالدور الأردني. كان لا بدّ من إعادة تذكير الأوروبيين أيضا بأنّ هذا الدور في التصدي للإرهاب والفوضى لم يأت من عبث. على العكس من ذلك، إنّه دور طبيعي جاء نتاج تجارب عدّة مرّت بها المملكة استطاعت تجاوزها.

من هذا المنطلق، يحقّ للملك أن يقول لأبناء الشعب الأردني “أؤكد لكم أنّ الأردن قويّ وصامد بثبات على مرّ العقود في وجه كل من راهن على سقوطه. إنّ قوتنا ودورنا المحوري في المنطقة ليسا صدفة، بل هما من صنع الأيدي الأردنية”. يضيف “نحن أقوياء بوحدتنا في محيط يموج بالصراعات والنزاعات الطائفية والعرقية وفوق كلّ هذا الإرهاب”.

لا يمكن للأردن التراجع عن الحرب على الإرهاب. إنّها معركة حياة أو موت للمنطقة كلها. ما يدعو إلى التفاؤل أنّ الأردن يعرف ماذا يريد ويعرف ما هي القيم التي يستند إليها في المعركة التي يخوضها مع “داعش” والدواعش. هناك “داعش” السنّية وهناك الدواعش الشيعية التي في أساسها الاستثمار في الغرائز المذهبية. كان عبدالله الثاني أوّل من سارع إلى التحذير من هذا النوع من الاستثمارات، مباشرة بعد الاحتلال الأميركي للعراق وانكشاف إدارة بوش الابن التي سلّمت هذا البلد العربي المهمّ على صحن من فضّة إلى إيران.

تحدّث العاهل الأردني قبل ما يزيد عن عشر سنوات، كان ذلك في أكتوبر من العام 2004، عن “الهلال الشيعي” بالمفهوم السياسي للعبارة وليس الديني، لأنّ الشيعة تشيعوا لأهل البيت الذين ينتسب إليهم الملك عبدالله الثاني.

لم يقصد أي إساءة للشيعة. على العكس من ذلك، كان الهدف التحذير من السياسة التوسعية لإيران في ضوء سيطرتها على العراق. الآن، لم يعد أي مسؤول إيراني يخجل من الحديث عن أنّ طهران تسيطر على أربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء التي أضيفت أخيرا إلى المقتنيات، أو جوائز الحرب، الإيرانية.

لم يعد سرّا أن العاهل الأردني كان مصيبا في كلمة قالها، إن في عمّان وإن في ستراسبور، وإن قبل ذلك في واشنطن.

كان متقدّما على كثيرين غيره، بسنوات عدّة. هذا ليس عائدا إلى قدرة عبدالله الثاني على استشفاف الأحداث فحسب، بل هو عائد أيضا إلى قدرة الأردن على تجاوز المحن منذ خمسينات القرن الماضي وصولا إلى حرب العراق في العام 2003 وما تلاها من تفتيت للبلد، وصولا إلى الثورة التي تشهدها سوريا والتي أدّت إلى وجود مليون ونصف مليون لاجئ في أراضي المملكة.

بالنسبة إلى الأردن، لم يتغيّر شيء. هناك من لا يزال يراهن على سقوط المملكة. من كان يصدّق في العام 1970 أن الأردن سيتصدّى بطريقة حاسمة لمحاولات المنظمات الفلسطينية المسلّحة قلب الحكم، بما سيؤدي إلى قيام الوطن البديل فيه؟

من كان يصدّق أن الأردن سيضع بعد ذلك اللبنة الأولى للدولة الفلسطينية المستقلة التي لا يمكن إلّا أن ترى النور يوما. رسم الملك الحسين، رحمه الله، حدود تلك الدولة عندما أعلن عن قرار فك الارتباط صيف العام 1988 وعندما توصل إلى اتفاق سلام مع اسرائيل في خريف العام 1994، راسما بذلك الحدود النهائية للأردن، ومحافظا على حقوقه في الأرض والمياه.

أكثر من ذلك، استطاع الأردن تكريس دوره الثابت في المعادلة الإقليمية. إنّه دور الدولة التي لا تزال تؤمن بأنّ لا خيار آخر أمام شعوب المنطقة غير خيار الاعتدال والوسطية اللذين ينادي بهما عبدالله الثاني الذي أراد أن يؤكّد مجددا للأردنيين أنّ المتابعة جهد يومي وفعل إيمان بالأردن وقدرات الأردنيين في الوقت ذاته. المتابعة تعني أيضا التوجه إلى الآخر، بما في ذلك الأوروبي، بخطاب واضح ومفهوم في الوقت ذاته بعيدا عن الغوغائية التي تعتبر اختصاصا لبعض الأنظمة العربية. يستطيع ملك الأردن التوجه إلى العالم بخطاب مختلف يجعله يستوعب أن لا علاقة للإسلام بالإرهاب.

يشير عبدالله الثاني في ستراستبور إلى أن النبي قال “لا يؤمن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحب لنفسه”. هل من إنسانية أكثر من هذه الإنسانية التي يروّج لها عبدالله الثاني الذي يمتلك خطابا واحدا للداخل والخارج، فحواه أنّ الحرب على الإرهاب واحدة، وأنّ الجميع في مركب واحد وأن هذه الحرب هي قبل كلّ شيء “حرب الإسلام” على الذين يريدون الإساءة إليه؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حرب الإسلام على الإرهاب أولا حرب الإسلام على الإرهاب أولا



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya