تفكيك وليد جنبلاط للنظام السوري

تفكيك وليد جنبلاط للنظام السوري

المغرب اليوم -

تفكيك وليد جنبلاط للنظام السوري

خيرالله خيرالله


من يستمع إلى وليد جنبلاط أمام المحكمة الدولية، يدرك لماذا انتهى النظام السوري بالطريقة التي انتهى بها. إنه نظام لا يعرف سوى التدمير، ولا شيء غير التدمير.

من اليوم الأول لشهادته أمام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، عرّى الزعيم الدرزي كمال جنبلاط النظام السوري. فكّك النظام من خلال معرفته برجاله. كشف جنبلاط بحسّه السياسي المرهف طبيعة النظام الذي دمر سوريا، وكاد أن يدمّر لبنان لولا صمود اللبنانيين وإصرارهم على إنقاذ ما يمكن إنقاذه من بلدهم.

هناك نقاط عدّة يمكن التوقف عندها بعد سماع جنبلاط يدلي بشهادته في لاهاي أمام المحكمة التي تنظر في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، فضلا عن جرائم أخرى، أحيلت أو يمكن أن تحال عليها. ولكن يظلّ أهمّ ما في الشهادة كشفها الوجه الحقيقي للنظام السوري في أيّام الأب وفي أيام الابن. من الواضح أن لا فارق كبيرا بين الأب والابن، باستثناء أنّ الأوّل كان يعرف جيدا كيف يخفي الطبيعة العلوية للنظام، عبر تغطيتها بشخصيات من سنّة الريف مثل العماد حكمت الشهابي الذي كان رئيسا للأركان، أو السيّد عبدالحليم خدّام الذي كان نائبا لرئيس الجمهورية.

أوضح جنبلاط، بما لا يقبل أي شك، أن الأسد الأب ترك هامشا للمناورة لكلّ من الشهابي وخدّام اللذين كان يعتبرهما “صديقين” له. ولكن في نهاية المطاف، كشف ما يفترض أن يكتشفه كلّ سياسي يمتلك حدّا أدنى من النضج والرؤية. كشف أن العدو الأوّل للنظام السوري هو السنّي ابن المدينة الذي يمتلك علاقات عربية ودولية. وهذا ما جعل بشّار الأسد يخشى رفيق الحريري ويسعى إلى التخلّص منه. كان يخشى دائما من وجود زعيم قوي يمتلك علاقات عربية، سواء أكان ذلك في سوريا نفسها أم في لبنان.

فكّك وليد جنبلاط النظام السوري. استخدم اللواء غازي كنعان الذي كان مسؤولا حتّى العام 2002 عن لبنان. واستخدم الشهابي وخدّام والعبارات التي كانا يمرّرانها له بين حين وآخر. كذلك، استخدم دعوات الغداء، لدى اللواء محمّد ناصيف (أبو وائل) الذي كان يطغى عليها الجوّ العلوي. واستخدم حتّى رستم غزالي الذي كان عليه أن يتعامل بفظاظة مع رفيق الحريري.

فبعد اللقاء الأوّل الذي عقده الزعيم الدرزي مع بشّار الأسد، قبل أن يصبح الأخير رئيسا، خرج جنبلاط بانطباع فحواه أنّ الأسد الابن لا يعرف شيئا عن لبنان واللبنانيين، خصوصا عندما راح يطرح أسئلة تتناول المناطق التي يعيش فيها الدروز في لبنان، مشيرا إلى “أنّ له جماعة أيضا بين الدروز”. وقد دفع ذلك بغازي كنعان إلى تمرير رسالة إلى وليد جنبلاط عندما قال له “الآن صرت تعرف من هم آل الأسد”. كان يريد أن يقول له أن بشّار ليس سوى جاهل في أمور لبنان، وذلك قبل أن يتبين لاحقا أنه جاهل أيضا في أمور سوريا. لم يدرك جنبلاط مغزى الرسالة، إلا بعد “انتحار” غازي كنعان. وكان ملفتا أنّه أصرّ على تمرير عبارة أنّ غازي كنعان “أُجْبر على الانتحار”.

اتهم وليد جنبلاط حافظ الأسد، مباشرة، بقتل والده. لم يتّهم بشّار الأسد بشكل مباشر باغتيال رفيق الحريري، لكنّ الواضح أنّه استطاع رسم الأجواء التي هيّأت للجريمة التي تندرج في سياق الحرب التي يشنّها النظام السوري على أهل السنّة، خصوصا على سنّة المدن الكبيرة.

من خلال اغتيال رفيق الحريري، يمكن فهم ذلك الحقد على كلّ ما هو سنّي في لبنان. كذلك يمكن فهم تلك النقمة على كل سياسي كانت له حيثية بغض النظر عن مذهبه. لذلك، اغتيل كمال جنبلاط الذي لم يسمع نصيحة أنور السادات، فيما اضطر ريمون إده إلى تمضية بقية حياته في المنفى الباريسي.

في ضوء شهادة وليد جنبلاط، يمكن فهم لماذا كان اغتيال المفتي حسن خالد والاغتيال السياسي لصائب سلام وتقيّ الدين الصلح. كذلك، يمكن فهم لماذا لم يستطع النظام السوري أن يطيق وجود بشير الجميّل أو رينيه معوّض في رئاسة الجمهورية.

تساعد شهادة وليد جنبلاط في إعادة تركيب النظام السوري قطعة قطعة. إنّه نظام يقوم أساسا على تقارير لأجهزة المخابرات المتعددة التي يتجسس كلّ منها على الآخر. تصبّ التقارير، التي تبدو وكأنّها العمود الفقري للنظام، عند الرئيس الذي يبدو واضحا أنّه لا يثق سوى بعدد قليل من الأشخاص، هذا إذا كان يثق بأحد.

من يستمع إلى وليد جنبلاط أمام المحكمة الدولية، يدرك لماذا انتهى النظام السوري بالطريقة التي انتهى بها. إنّه نظام لا يعرف سوى التدمير، ولا شيء غير التدمير. عمل على تدمير لبنان ويعمل حاليا على تدمير سوريا. فشل في تدمير لبنان كلّيا، لكنه زرع فيه أمراضا سيكون من الصعب عليه التخلّص منها، خصوصا بعدما أقام هذا التحالف مع “حزب الله”، الذي ليس سوى ميليشيا مذهبية تعمل لمصلحة إيران ولا هدف لها سوى نشر البؤس والفقر في الوطن الصغير.

هدّد بشار الأسد رفيق الحريري بأنّه “سيكسرّ لبنان”، وذلك عندما بدا أن هناك محاولات يبذلها الرئيس الفرنسي جاك شيراك لإخراج الجيش السوري من لبنان. هذا ما نقله جنبلاط عن الحريري بعد لقاء له مع رئيس النظام السوري. انتهى الأمر بتكسير قسم لا بأس به من لبنان. لكنّ ما تكسّر في نهاية المطاف كان سوريا.

ما لم يقله جنبلاط أن النظام السوري لا يستطيع أن يبني. يستطيع أن يهدّم. هذا كلّ ما يستطيع عمله. حيثما حلّ يحلّ الدمار. حلّ في سوريا فحلّ معه الدمار. في كلّ يوم كان فيه ضيفا على لبنان، كان الدمار رفيق اللبنانيين، بدل أن يكون رفيقهم مشروع الإنماء الذي وقف خلفه رفيق الحريري.

بغض النظر عن كلّ المحاولات ذات الطابع الفولكلوري التي حاول من خلالها وليد جنبلاط التمسّك باتفاق الطائف، وعدم الربط بينه وبين القرار الرقم 1559 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي دعا إلى حلّ كل الميليشيات المسلحة في لبنان وإلى انسحاب الجيش السوري منه، يظلّ أن القرار والطائف شيء واحد. كلّ كلمة واردة في القرار، واردة أيضا في نص اتفاق الطائف.

كانت شهادة وليد جنبلاط شيّقة، خصوصا لجهة كشف حقيقة النظام السوري. تفادى الرجل، أقلّه في اليوم الأوّل، أي إشارة إلى “حزب الله” وإلى ملائكته المتهمين بتنفيذ الجريمة. هذا أمر يمكن أن تكون له انعكاساته الإيجابية على الصعيد الداخلي في لبنان.

المهمّ الآن، على صعيد المحكمة الدولية، استكمال رسم الأجواء التي ارتكبت الجريمة في إطارها، بما في ذلك التقارب المسيحي الإسلامي والدور الطليعي الذي لعبه البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير في التصدي للاحتلال السوري، وصولا إلى مرحلة يصبح من السهل فيها القول: الجريمة واضحة وأبطالها معروفون.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تفكيك وليد جنبلاط للنظام السوري تفكيك وليد جنبلاط للنظام السوري



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya