العراق… وليس البيت الشيعي في العراق

العراق… وليس 'البيت الشيعي' في العراق

المغرب اليوم -

العراق… وليس البيت الشيعي في العراق

بقلم خيرالله خيرالله

لا وجود لأسرار في لبنان. لذلك، ثمة أمران يُفترض التوقف عندهما في ضوء الزيارة التي قام بها لبيروت زعيم التيار الصدري في العراق، أي رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر. هدف الزيارة التي قام بها الصدر، الذي يشنّ حملة على “الفساد” في بلده، التنسيق مع السيد حسن نصرالله الأمين العام لـ”حزب الله” في شأن العراق ومستقبله. ما رشح أيضا، أن حسن نصرالله الحريص على “البيت الشيعي” سعى إلى مصالحة بين الصدر ونوري المالكي ذي السجلّ الحافل بالارتكابات حين كان في السلطة، أي في موقع رئيس الوزراء، بين 2006 و2014، حين استطاع “داعش” السيطرة على الموصل في ظروف قد لا تكون غامضة كما يصفها البعض.

يتمثّل الأمر الأوّل، الذي يُفترض التوقّف عنده، في أن لبنان مجرّد “ساحة” تتحكّم بها إيران. صار لبنان المكان الذي تدار منه شؤون العراق عن طريق ميليشيا مذهبية لا أكثر.

يتمثّل الأمر الثاني في أن هناك ما يشبه الأممية الثالثة، السعيدة الذكر، التي كانت تربط في مرحلة معيّنة بين الأحزاب الشيوعية في عالمنا، مع وجود مركز لهذه الأممية هو موسكو. كان ذلك في مرحلة انتصار الثورة البلشفية بقيادة لينين وما بعد الانتصار.

لم يعد الآن من “أممية ثالثة” شيوعية، هناك حاليا رابط متين، يتجاوز الحدود المعترف بها للدول. هذا الرابط قائم بين الميليشيات الشيعية التي تدور في الفلك الإيراني انطلاقا من طهران. يحدث بين الحين والآخر حصول توزيع للمهمّات بين هذه الميليشيات المذهبية أو تلك. لذلك نجد “حزب الله” مكلفا باليمن، كما لديه مهمّات عراقية وسورية وبحرينية. من يدري، لدى الحزب أيضا مهمّات أخرى في أماكن مختلفة من العالم، وصولا إلى أفريقيا والقارة الأميركية بشمالها وجنوبها، وذلك انطلاقا من لبنان. لكن كلّ ذلك يتمّ في ظل الغطاء الذي توفّره إيران للحزب عبر “الحرس الثوري” أساسا.

باتت هذه “الساحة” التي اسمها لبنان ملكا في الوقت الحاضر لإيران، تماما كما كانت ملكا في الماضي للمنظمات الفلسطينية المختلفة بمشاركة النظام السوري. ما لبث النظام السوري أن استفرد بـ“الساحة” بعد خروج المقاتلين الفلسطينيين من لبنان، لكنّه اضطرّ مع مرور الوقت إلى إدخال الإيراني شريكا له وصولا إلى العام 2005، عندما صار وجوده في لبنان يعتمد على الوجود الإيراني. كان ذلك نتيجة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، بمشاركة بين النظاميْن السوري والإيراني.

اضطرّ النظام السوري، بعد ذلك، إلى الانسحاب عسكريا وأمنيا من البلد مخليا “الساحة” لـ“حزب الله”، أي لإيران.

من لبنان، كان ينطلق فلسطينيون لتنفيذ عمليات في مختلف أنحاء العالم، بدءا بخطف الطائرات وصولا إلى الاغتيالات والتفجيرات. وفي لبنان، كان فلسطينيون يوفّرون مأوى آمنا لأيّ تنظيم يعتقدون أن في استطاعتهم استخدامه خدمة لمآرب معيّنة. من “بادر ماينهوف” في ألمانيا… إلى “الجيش الأحمر” الياباني… إلى منظمات تنتمي إلى بلدان في أميركا الجنوبية مثل الـ“توباماروس”.

ومن “الساحة” التي اسمها لبنان، كان النظام السوري يبتز الآخرين، خصوصا أهل الخليج العربي. كان الزعيم الكردي عبدالله أوجلان يتنقل بين دمشق وسهل البقاع، وكان “الجيش السرّي الأرمني” من الأدوات المستخدمة ضد تركيا. هذا نذر يسير جدّا مما كانت عليه ممارسات النظام السوري انطلاقا من “الساحة” التي اسمها لبنان.

لم يتغيّر شيء في لبنان منذ بدء انهيار المؤسسات اللبنانية بشكل بطيء منذ العام 1969 عندما تخلّت الدولة اللبنانية عن سيادتها على قسم من أراضيها لمصلحة المسلّح الفلسطيني. حدث ذلك في وقت كان الطفل يدرك أن الهدف تخريب لبنان وتدميره، وأن تحرير فلسطين انطلاقا من الجنوب ليس سوى نكتة سمجة في أحسن الأحوال.

تغيّر العالم ولم تتغيّر وظيفة لبنان الذي سعى، في كلّ وقت، إلى الدفاع عن نفسه وتأكيد أن صيغته المعقدة قابلة للحياة. ما نشهده اليوم فصل جديد من مسلسل استخدام لبنان كـ“ساحة”. هذا الفصل الجديد يدل على وجود محاولة إيرانية لاستعادة تجربة الاتحاد السوفياتي الذي كان في معظم الأحيان يتدخل خارج أراضيه عن طريق آخرين.

كان “الجيش الأحمر” يتحرّك في المحيط المباشر للجمهوريات السوفياتية. في أفغانستان الآسيوية، وفي دول أوروبا الشرقية. في الأماكن البعيدة، كان الاتحاد السوفياتي يفضّل اللجوء إلى حلفائه مثل كوبا. من يتذكّر كيف أن كوبيين شاركوا في عمليات عسكرية ذات طابع داخلي في اليمن الجنوبي، خصوصا في العام 1978، وكانوا بجانب القوات الأثيوبية في حرب أوغادين مع الصومال؟

تكمن مشكلة إيران في الوقت الراهن في أنّها لا تريد الاستفادة من تجربة الاتحاد السوفياتي ومن مساوئ مرحلة “الأممية الثالثة” وما بعدها. لا يمكن بكل بساطة بناء إمبراطورية ودولة محترمة استنادا إلى اقتصاد هشّ وإلى نظام لا يمكن أن يكون نموذجا لأي نجاح من أي نوع كان في أيّ حقل من الحقول. باستطاعة النظام في إيران التخريب، لكنّه لا يستطيع البناء. هل من مثل أفضل من لبنان لإعطاء فكرة عن الممارسات الإيرانية خارج حدود إيران؟

أين النجاح الذي حققه “حزب الله” في لبنان باستثناء أنّه يلعب دورا أساسيا في إفقار لبنان واللبنانيين وعزل البلد عن محيطه الطبيعي؟ ما الذي يستطيع حسن نصرالله تقديمه من نصائح إلى مقتدى الصدر باستثناء ضرورة المحافظة على “البيت الشيعي”، أي على تحالف مذهبي يحكم العراق ويتحكّم بثرواته. لم يتمكّن هذا التحالف الذي يرمز إليه نوري المالكي من حلّ أيّ مشكلة من مشاكل العراق باستثناء ترسيخ الشرخ المذهبي بين السنّة والشيعة. هل هذا نجاح أم فشل؟

في النهاية، ما يبدو مطلوبا هو المحافظة على العراق وليس على “البيت الشيعي” في العراق. المحافظة على العراق تعني المحافظة على كلّ مكوّنات البلد بدل السقوط في أسوأ بكثير مما سقط فيه نظام صدّام حسين والذين سبقوه ابتداء من العام 1958، تاريخ الانقلاب العسكري المشؤوم على العائلة الهاشمية.

لا مكان في المنطقة لمشاريع مذهبية. أيّ مشروع مذهبي سيطيل الأزمة العراقية إلى ما لا نهاية. ما يفعله “حزب الله” في لبنان لا يؤهله لأيّ دور لا في العراق ولا في غير العراق، ولا حتّى في الضاحية الجنوبية التي يقيم فيها.

كل ما يستطيع الحزب، الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني، عمله هو نقل تجربته إلى العراق. هذه التجربة يمكن تلخيصها بعبارة واحدة هي القضاء على مؤسسات الدولة اللبنانية الواحدة تلو الأخرى، من رئاسة الجمهورية إلى أصغر دائرة من دوائر الدولة… هل هذا ما هو مطلوب تحقيقه في العراق؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العراق… وليس البيت الشيعي في العراق العراق… وليس البيت الشيعي في العراق



GMT 18:13 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

لا ثقة بحكومة حسّان دياب

GMT 15:45 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

أوراق إيران التي ذبلت

GMT 09:52 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

أكثر من أي وقت… نفتقد نسيب لحّود

GMT 09:43 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

سقوط آخر لبريطانيا

GMT 09:51 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

عندما يهرب لبنان إلى "صفقة القرن"

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الجدي

GMT 06:36 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتع بمغامرة فريدة في أجمل مدن "مولدوفا"

GMT 11:44 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

المؤجلات… موت التشويق

GMT 22:25 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

المانجو فاكهة النشاط والتفاؤل

GMT 15:47 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أفكار مميزة لتجديد حديقة منزلك بدون تكاليف في الشتاء

GMT 18:25 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

لمسات بسيطة تضفي مزيدًا من الجمال على شرفات منزلك
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya